المستشار رفعت السيد واحد من كبار شيوخ القضاة.. عمل فوق المنصة ٠٥ عاما وكان رئيسا لنادي قضاة أسيوط.. تحدث الرجل بصراحة عن انقسام القضاة وأزمة مشروع قانون السلطة القضائية وقانون الطوارئ والانتخابات..
أكد ان تزوير الانتخابات البرلمانية منذ ثورة يوليو كان سببا في خضوع السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية، وقال ان رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية جاروا علي القضاء وتغولوا عليه، وتم منح وزير العدل سيف المعز وذهبه للتأثير علي القضاة، وأكد ان قلة من القضاة كانوا بقعة في الثوب الأبيض وأثاروا شعارات تطهير القضاء.. وطالب بوحدة القضاة والقضاء علي الخلافات بين محكمتي النقض والاستئناف وتياري الاستقلال والاعتدال.. وأكد ان تطبيق قانون الطوارئ بكل قوة واجب لحماية الوطن، وانه إذا لم يتم تأجيل الانتخابات ستشهد حربا جسدية شرسة بين بقايا الوطني والتيارات الإسلامية.
< في البداية سألت المستشار رفعت السيد رئيس نادي قضاة أسيوط السابق.. كيف استطاع الرئيس السابق والسلطة التنفيذية فرض إرادتهم علي السلطتين القضائية والتشريعية؟
<< أجاب بصراحة..
ان السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية والحكومة بعد ثورة يوليو ٢٥ وحتي هذه اللحظة تغولت علي السلطتين التشريعية والقضائية، وبالنسبة للسلطة التشريعية فقد جرت في جميع الانتخابات عمليات انتهاك واسعة لإرادة الأمة، وارتكبت جرائم تزوير فجة واضحة في كل الانتخابات، وبالتالي كانت السلطة التشريعية صنيعة للسلطة التنفيذية وخاضعة لإرادتها.أما بالنسبة للسلطة القضائية فلم تأل السلطة التنفيذية جهدا منذ ثورة يوليو في التغول عليها، وبعد الثورة تم إنشاء محاكم استثنائية يترأسها ضباط بعضهم من مجلس القيادة، وحاكموا كل معارضيهم والخارجين عن طاعتهم أمام محاكمة الثورة والشعب والغدر.. ثم أصدروا قانونا لتنظيم العمل بالقضاء بدلا من قانون استقلال السلطة القضائية.. فصدر القانون ٣٤ لسنة ٦٥ في شأن السلطة القضائية، وتم حذف كلمة استقلال القضاء باعتبار ان القانون ينظم هذه السلطة وظل هذا الاسم حتي الآن، ومنذ صدوره والقضاة يناضلون في سبيل استقلال القضاء ودعمه والمطالبة بالميزانية المستقلة.
مذبحة القضاة
< وماذا تحقق من مطالب القضاة؟
<< وقتها حدث صدام مع وزير العدل والمحامي من دمنهور فتحي الشرقاوي.. فقامت السلطة التنفيذية بحل مجلس إدارة نادي القضاة المنتخب برئاسة ممتاز نصار وعينت مجلس إدارة من ذوي المناصب القيادية بالقضاء، ثم أسفر كفاح القضاة وقتها عن إلغاء قرار الحل وتم انتخاب مجلس إدارة جديد برئاسة المستشار ممتاز نصار، لكن السلطة التنفيذية لم تتراجع، وانتهزت صدور أحكام براءة في قضايا قلب نظام الحكم المتهم فيها محمود لطيف وآخرون وقضية السفير أمين سكر المتهم بالتجسس وقضية الدكتور السمني وكيل وزارة الاصلاح الزراعي، وهي قضايا كانت السلطة تطلب فيها صدور أحكام بالإدانة، واستغلت رفض القضاة الانضمام للاتحاد الاشتراكي، وفي ١٣ أغسطس ٩٦٩١ تم عزل كل قضاة مصر وإعادة تعيين من ترغب فيهم السلطة واستبعاد ٠٠٢ قاض تزعموا الكفاح من أجل الاستقلال أو حكموا بالبراءة.. وهو ما عرف بمذبحة القضاة. وبموجب القانون الذي تم تعديله عام ٢٧٩١ تم منح وزير العدل اختصاصات تسمح له بالسيطرة علي القضاء، فتم منحه حق اختيار مدير وأعضاء التفتيش القضائي والنيابة وتعيين رؤساء المحاكم الابتدائية، ومنح مزايا مادية وعينية وأدبية لأصحاب هذه المواقع، كما حاولت السلطة أن تغري القضاة بالتعاون معها من خلال التلويح لهم بالتعيين في مناصب قيادية كوزير أو محافظ أو رؤساء هيئات، كما أجازوا ـ وهو أمر لا يحدث إلا بمصر ـ ندب القضاة للعمل بالوزارات والهيئات والشركات والبنوك حتي الخاصة، ومع هذا التغول المقيت فإن القضاة جميعا ظلوا يناضلون ويكافحون ويطالبون في كل جمعياتهم العمومية بالمحاكم والأندية بضرورة استقلال السلطة القضائية كما ينص الدستور، ولغل يد الحكومة ووزير العدل عن التدخل في شئون القضاء والقضاة.. وتمكنوا أخيرا من تحقيق بعض المطالب مثل الميزانية المستقلة وضرورة موافقة مجلس القضاء الأعلي علي ندب واختيار مدير التفتيش، ولكن سلطة الوزير ظلت قائمة وهو ما دفع القضاة للتحرك في اتجاهين.
استقلال واعتدال
< هل انقسم القضاة بعد ذلك إلي تيارين؟
<< انقسموا إلي اتجاهين.. الأول يري ان الحصول علي حقوق القضاة وتلبية مطلبي الاستقلال الكامل وتأكيده بالقانون يتم من خلال المواجهة والضغط عبر الشارع وأجهزة الإعلام والمنظمات الدولية، وهو الفريق الذي تم تسميته تيار الاستقلال والمعارضة، بينما رأي فريق ثان ان القضاة يجب أن يحصلوا علي حقوقهم من خلال المطالبات والاقناع والحوار، وان مصلحة الأمن والحكومة أن يكون القضاء مستقلا كضمان أساسي للأمن وأمان المواطن والمحاكم، فحاكم اليوم قد يكون متهم الغد.. وهو تيار الاعتدال.. والهدف بين التيارين واحد لا خلاف عليه، لكن الوسيلة قد تختلف، وانتخابات نادي القضاة في آخر ٠١ سنوات كشفت هذا الخلاف، فانتصر فريق الاستقلال الذي لم يستطع تحقيق مطالب القضاة بالضغط.. فعاد ونجح فريق الاعتدال في أن يحصل علي بعض الحقوق من السلطة.. واعتقد ان تحقيق الهدف المشترك للقضاة مسئولية التيارين معا، بما يحقق الاستقلال التام والحيلولة دون تدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية.
السيف والذهب
< هل كان القضاء منقوص الاستقلال قبل ثورة يناير؟
<< القضاء نظريا مستقل تماما، بمعني أن القاضي لا يخضع في حكمه إلا للضمير والقانون، وليس هناك في القانون ما يلزم القاضي بالالتفات لتوجيه من رؤسائه أو أن يقضي بغير ما يقتنع به، بل ان القانون يعاقب بالحبس كل من يتدخل لدي القاضي في عمله أو ينشر أو يذيع ما يؤدي للتأثير علي القاضي في عمله.
ويضيف ان قيام الوزير باختيار رؤساء المحاكم الابتدائية ومنحهم امتيازات مادية وعينية، جعلهم يعملون في الغالب مع ما يتفق مع رغبات السلطة التنفيذية، سواء بالتدخل المباشر أو اختيار للقضاة استنادا لنص بالقانون يمنح رئيس المحكمة التفويض في أعمال الجمعية العمومية، فكان يملك سيف المعز وذهبه ولذا كان لرؤساء المحاكم تأثير علي قلة قليلة، ودائما القضاء ثوب ناصع البياض ولذلك أي بقعة مهما صغرت كانت تؤثر علي نقائه مما دعا لأن نسمع صيحات من ميدان التحرير تطالب بتطهير القضاء.
استئناف ونقض
< ولكن هل تحول الخلاف علي قانون السلطة القضائية لحرب بين محكمتي الاستئناف والنقض؟
<< قانون السلطة القضائية ينظم عمل القضاء والقضاة، ولا خلاف بين كل الأطراف علي المطالبة باستكمال استقلال القضاء ودعمه، ولكن التفاصيل عليها خلاف.. وأهمها تشكيل مجلس القضاء الأعلي، والذي أصبح له اختصاصات عديدة منها تعيين القضاة وأعضاء النيابة وتأديبهم، والاشراف علي تقارير التفتيش باستبعاد قضاة من ترقيتهم أو لومهم أو عزلهم، والميزانية والمرتبات والموافقة علي الندب والاعارة، والمجلس يضم سبعة منهم رئيس النقض وأقدم نائبين و٣ رؤساء استئناف منهم اثنان عملهما بالإسكندرية وطنطا ويجب أن يتركا عملهما لحضور الاجتماعات شبه اليومية للمجلس بجانب النائب العام، وكان هذا التشكيل مناسبا عام ٥٦ عندما كان المجلس بصلاحيات قليلة جدا، ولكن مادام أصبح له كل هذه الصلاحيات، فيجب أن يتحول المجلس لهيئة للنظر في أمر القضاء والقضاة، وأن يكون الاختيار سواء بالأقدامية المطلقة بين قضاة النقض والاستئناف، أو وضع معايير محددة لاختيار رئيس وأعضاء المجلس دون أن تكون وظيفة القاضي هي التي تختاره للمجلس، فيجب أن يتفرغ أعضاء المجلس لعملهم. ومحكمة النقض تعاملت مع تعديلات القانون علي أن هذا ما وجدنا عليه أباؤنا أنهم ورثوا رئاسة مجلس القضاء لرئيس محكمة النقض، كما يضم المجلس نائبين بالنقض، وبالتالي يرون أن هذا حقهم لن يتنازلوا عنه، فكيف ونحن نعدل الدستور آباءنا نلغي اختصاصات لرئيس الجمهورية يتمسكون بمثل هذا الميراث، يجب طرح الأمر للحوار ولست أنا أو غيري نمتلك الحقيقة، وهناك من يري اختيار أعضاء المجلس بالانتخاب مع تعيين ٣ لا يتولون مواقع قيادية ومتفرغين وهذا لب الخلاف، وتغيير القانون يجب أن يكون لمواكبة التحديث وليس للتمسك بالقديم.
سن المعاش
< وهل هناك خلافات أخري؟
<< نعم هناك خلاف حول سن المعاش هل يظل عند السبعين، وهي ميزة منحها العهد السابق لمن ساندوه من كبار القضاة.. أو أن يعود مرة أخري عند الستين، ومن جاوزوا الستين لهم الاختيار بين المعاش أو الاستمرار فوق المنصة وترك أي موقع قيادي..
ولكن هناك قضايا لا تحتمل المناقشة وليس عليها خلاف.. وهي نقل التفتيش القضائي لمجلس القضاء الأعلي، وإلغاء الندب لأية جهة داخل البلاد مع تعويض القضاة ببدل تفرغ، واختيار رؤساء المحاكم الابتدائية بضوابط قانونية محددة، فلا تترك للهوي والعلاقات الشخصية، سواء تم ذلك بالأقدمية أو بالاختبارات أو البحوث، ومما لاشك فيه أن الأقدمية المطلقة هي حق وصدق وليست صوابا بنسبة ٠٠١٪، فقد تفرز من لا يصلح كما سبق من قبل، والانتخابات ليست مطلوبة في القضاء فالمنتخب يكون ضعيفا أمام ناخبيه، ولابد من البحث عن وسيلة صحيحة منضبطة مع مراعاة ما يحدث بالعالم لاختيار القيادات بشفافية ونزاهة.
تبادل الاتهامات
< ولكن ماذا عن تبادل الاتهامات بين القضاة مؤخرا؟
<< يسوؤني كل السوء ما يحدث من تبادل اتهامات، والسبب في هذه المأساة هو تصريح وزير العدل المستشار محمد عبدالعزيز الجندي بعد توليه الوزارة بأنه لا يمانع في نقل التفتيش لمجلس القضاء، وهو تصريح سبق وكرره وزراء العدل قبله ولم يتم تفعيله، كما صرح رئيس الوزراء بأن المجلس سيتقدم بمشروع جديد لقانون السلطة القضائية ثم عاد ونفي الخبر.. وطلب وزير العدل من القضاة تقديم مشروع قانون يرضيهم، ونسي ان التشريع للقضاة أو غيرهم أمر يخص السلطة التشريعية ورئيس الجمهورية، وأنه ليس للمختصين بالقانون حتي لو كانوا القضاة أن يضعوا لأنفسهم قانونا ثم تبصم عليه السلطة التشريعية كأنه حكم، فهذا يخالف الدستور والقانون، ومن حق القضاة ابداء رغبات وطلبات ومقترحات ولكن المجلس التشريعي هو صاحب الحق الأصيل في التشريع.
وبعد تصريحات الوزير سارع رئيس مجلس القضاء الأعلي وهو رجل فاضل بتشكيل لجنة لتلقي المقترحات والطلبات برئاسة المستشار أحمد مكي وعدد من أعضاء تيار الاستقلال الذي ينتمي إليه، واستبعد تماما أعضاء تيار الاعتدال بدعوي أن من حقهم كأفراد تقديم مقترحاتهم، مما أدي إلي قيام رئيس نادي قضاة مصر للتنديد بإقصاء ناديه وتياره رغم انهم منتخبون ويمثلون الأغلبية بالقضاء، وقامت الأندية بتشكيل لجنة أخري لوضع مشروع للقانون، كما قام قضاة عن طريق الفيس بوك بإرسال مشروعات للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، ونسي الكل أنه ليس من حقهم تقديم مشروعات بل طلبات ورغبات.. لأن هذا افتئات علي السلطات الأخري في وقت يطالب القضاة بعدم الافتئات عليهم..نريد من الحكومة ألا تتدخل في القضاء، بينما نطالبها بإصدار قانون وفق رغباتنا وهوانا.
حصن القضاء
< وكيف يمكن وقف هذه الحرب وتصحيح الأخطاء؟
<< كنت أتمني من رئيس النقض أن يبادر بتصحيح الخطأ لتشمل اللجنة التيارين معا ويكون الجميع في لجنة واحدة تتقدم برغباتها للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، وإذا لم يحدث هذا فأي سلطة يمكن أن تنحاز لفريق علي حساب الآخر.
وأكد ان وحدة القضاة واتحادهم صفا واحدا هو الحصن الحصين الذي يمكن معه النظر لطلباتهم بنظرة جدية، حتي لا يتأخر عرض المشروع لحين تشكيل البرلمان الجديد.
وأكد ان وحدة القضاة واتحادهم صفا واحدا هو الحصن الحصين الذي يمكن معه النظر لطلباتهم بنظرة جدية، حتي لا يتأخر عرض المشروع لحين تشكيل البرلمان الجديد.
قانون الطوارئ
< هل تري ان العمل بقانون الطوارئ وتفعيله ضرورة في الوقت الحالي؟
<< قانون الطوارئ تم العمل به من عام ١٨٩١ بعد اغتيال الرئيس السادات، وأعلنت الأحكام العرفية استنادا إليه، ومنذ هذه اللحظة ظل يمدد عاما بعد عام، وعندما قامت ثورة ٥٢ يناير المجيدة فمن المعروف لأي قارئ للتاريخ ان جميع ثورات العالم لابد أن يعقبها حالة فوضي وانفلات أمني وانتشار اللصوص والبلطجية، وهو ما حدث بمصر بعد الثورة.. خاصة بعد هروب المساجين وخروج البلطجية من جحورهم، وهو ما دفع المواطنين في البداية لتشكيل لجان شعبية لحماية منازلهم، وواجب الحاكم أن يتوقع الأزمة ويعمل علي وأدها قبل استفحال خطرها وليس انتظار المأساة ثم التحرك لمعالجتها، ومنذ ٥٢ يناير تم ترك البلطجة تنمو وتكبر، ووصل الأمر لقطع الطرق والسكك الحديدية وأصبحت الفوضي عارمة وحدثت أكبر انتهاكات للأراضي الزراعية، وانتشرت جرائم الثأر، وكان يتعين عند ظهور بوادر البلطجة أن يتم تفعيل قانون الطوارئ والقبض علي كل البلطجية لحماية الأمة حتي نخرج من عنق الزجاجة، ويجب الآن تفعيل الطوارئ بكل قوة وحسم حتي لو أصاب الأمر أبرياء فالوطن أهم من الأفراد.
موعد الانتخابات
< وكيف تري اجراء الانتخابات البرلمانية الآن؟
<< من المستحيل ان تجري الانتخابات البرلمانية في هذه الفترة دون أن تترك آثارا مدمرة وحوادث لا يستطيع أحد التنبؤ بها وسنعيش سنوات قبل اخمادها، والشعب الآن ليس مستعدا للمواجهة وهناك حالة تلمز للآخر، والكل يريد مكاسب انتظرها لسنوات واقصاء الآخر، وحتي الآن لم يتم الاتفاق حول العزل السياسي لأعضاء الحزب الوطني المنحل، وإذا تم استبعادهم فما مصير أقاربهم؟.. وهؤلاء خاصة بالصعيد يملكون قوة وثروات وإذا جرت الانتخابات بينهم وبين القوي الإسلامية لن نعرف من سينتصر جسديا علي الآخر؟
وأري أن تتم الانتخابات كلها بالقائمة النسبية المغلقة، وأن تنزل كل قوات الجيش لتأمين اللجان.. ويجب إعادة النظر في رؤساء اللجان فيمكن الاستفادة من ضباط الجيش وأساتذة الجامعة المتقاعدين تحت اشراف القضاة، حتي لا يتم تعطيل المحاكم طوال فترة الانتخابات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق