لم يخطر فى ذهن والدى الطفل محمد (10 سنوات)، أنهما سيودعان ابنهما للمرة الأخيرة، عندما هم وشقيقتاه بركوب «باص» مدرسة السلام الخاصة، كما لم يكونا يعلمان أنهما كانا يشتريان موته بتلك المبالغ الطائلة التى يدفعانها نظير خدمة تعليمية ورعاية مميزة داخل المدرسة.
مات الطفل داخل بالوعة، الأم المفجوعة جاءت هلعة للمدرسة بعد تلقيها الخبر وعلى الباب أخبروها بأن ابنها فى مشرحة مستشفى الإيمان فسقطت صارخة: «طفلى لم يمت.. أنتم تخدعوننى»، بينما كان قلب الأب يعتصر ألماً على طفله وهو يتخيل ما قد ألمّ به فى تلك الساعات.
الأطباء أرجعوا وفاة محمد لإصابته بإسفكسيا الغرق لادعاء سقوطه فى بالوعة صرف صحى دون وجود إصابات ظاهرية أو شبهة جنائية ولكنهم تناسوا لحظة انزلاق قدميه فى مياه الصرف.
ظل الأب فى النيابة حتى الساعة السابعة مساءً، وعاد ليحمل جثمان ابنه الصغير إلى مثواه الأخير، فى حين باتت الأم تبكى ثم تسقط مغشياً عليها من أثر الصدمة وانتابتها حالة من الهلع، كلما فتح باب مشرحة المستشفى، بينما ظل شقيقاه الكبيران «خالد»، و«مروان» يبكيان وهما ينهيان إجراءات الدفن، ثم حملوا الجثمان لتشييعه لمثواه الأخير.
تقرير فى ورقة صغيرة برأ المدرسة من الإهمال الذى أودى بحياة الابن، من مفتش الصحة، أكد فيه أن الطفل مات بسبب إسفكسيا الغرق ولا توجد شبهة جنائية، وتم تسليم الجثة بدون تشريح.
يتساءل خال الطفل، محمد مكى: بأى ذنب قتل هذا البرىء؟ ومن المسئول؟ فوالده يدفع له 4 آلاف جنيه سنوياً ليعلمه تعليماً متميزاً، وليس ليتركه للإهمال. ويشرح خاله: علمنا بوفاة الطفل من «الإسعاف» حيث لدينا قريب يعمل هناك، وعندما سمع الاسم على جهاز النداء اتصل بى وقال لى هل زوج أختك عنده طفل اسمه محمد فى مدرسة السلام الحديثة؟ فقلت له نعم فقال لى لقد توفى، ومنقول إلى مشرحة مستشفى الإيمان، فاتصلت بأختى فأغمى عليها فى الحال، ووصلنا للمشرحة ففوجئنا أنه كان بها من الساعة الواحدة ظهراً. وأضاف خاله: إن «البلاعة» كانت مغطاة بجوال، وكانت مفتوحة، وأثناء لعبه هو والأطفال سقط فيها، ولم يستطع زملاؤه اللحاق به، فجروا على المشرفين والمسئولين فى المدرسة، وأبلغوهم، ولم يتم انتشاله إلا بواسطة الحماية المدنية بعد أكثر من نصف ساعة. أعمام الطفل وأخواله أكدوا لـ«الوطن» أنهم سيثيرون القضية إعلامياً ولن يسكتوا على هذا الإهمال، لأن أرواح الأطفال ليست لعبة فى أيديهم، وحتى يدفع من تسبب فى موته الثمن جراء إهماله. وتعهد والد التلميذ بمقاضاة إدارة المدرسة على الإهمال الجسيم الذى تسبب فى ذهاب حياة نجله.
وقال حلمى محمود، أحد الأهالى، إن الطفل الضحية لديه شقيقتان فى نفس المدرسة، بالمرحلة الابتدائية، وشقيقان كبيران فى المرحلة الثانوية، هما مروان وخالد، وإنه كان حبيب والديه والأقرب لهما، وكان فطناً ومحبوباً لدى إخوته الصغار والكبار.
ويضيف محمد سيد: مدرسة تأخذ من كل تلميذ 3 الآف فى السنة بالإضافة إلى مصروفات الأتوبيسات والزى الذى يعد الأغلى على مستوى مدارس المحافظة، وتتباهى دائماً أنها الأقدر على الحفاظ على حياة التلاميذ، وتتأخر عن سد «بلاعة».. كيف يكون ذلك؟
ويقول حسن عبدالله، ولى أمر أحد الطلاب فى المدرسة: لو أن ابنى مكان هذا الطفل لما مر هذا الموقف مرور الكرام، ولن يكفينى تعليق مدير المدرسة على المشنقة، متسائلاً: هل حياة أبنائنا أصبحت عرضة للإهمال؟ وأين المسئولون الذين يراقبون الإهمال فى هذه المدارس؟ ألا يوجد إشراف على حالتها؟
كان محمد علاء، مدير نيابة قسم ثان أسيوط، قد أمر بإخلاء سبيل نادرة بهاء بطرس مديرة مدارس السلام الحديثة بمدينة أسيوط والمشرفة مريانا رشدى ومسئول الصيانة يوسف نصر فليمون بضمان محل إقامتهم بعد توقيعهم على تعهد بالمثول أمام النيابة العامة عند طلبهم فى التحقيقات وذلك على خلفية سقوط التلميذ محمد صلاح الدين حسانين بالصف الرابع الابتدائى ببيارة الصرف الصحى أثناء لهوه بالفسحة بفناء المدرسة أمس الأول.
وأشارت التحريات إلى أن بيارة الصرف الصحى كانت مغطاة بقطعة خيش بعد تلف الغطاء المخصص لها وأكدت التحريات عدم وجود شبهة جنائية وسقوط الطالب نتيجة الإهمال من المسئولين بالمدرسة.
سعاد أحمد
محمود مالك