سوف تسارع بالسؤال عنهن من هؤلاء اللاتي أجبرنني أن أتحدث بلسانهن، سأقول لك بل من أكون لأتحدث عنهن؟!
كانت كلمات إحداهن ضربة قاصمة لي وضعتني أمام عجزي وأمام قلة حيلة الكلمة، فكل الكلمات حينها لم تكن تساوي شيئا حين قالت في صوت مخنوق بالبكاء : قولي لي ماذا أفعل ؟ سوف أفعل كل ما تقولين ، لكن دليني.
لم أملك حينها أية كلمات حتى الدموع تحجرت في عيناي وأنا أخرج صوتا تكاد تبلعه أسلاك الهاتف فقلت لها : ادع له ، ليس بيدنا شيئا سوى الدعاء.
كانت هذه والدة (عزت علي ) واحد من المسجونين في قضية السفارة الإسرائيلية.
في كل مرة كلمتها فيها كنت أنعي عجزي أمامها وأمام ابنها الذي أعتبره أخي بحق، في كل مرة كنت أحاول جاهدة أن أشد من أزرها وطمأنتها لكني ما كنت أملك غير الأمل في أن يرى عزت النور.
حين فكرت وأصدقاء عزت بإنشاء صفحة له على موقع الفيس بوك نشرح للناس كيف تم القبض على الشاب المسالم ذو العشرين ربيعا يوم السبت اليوم التالي للاشتباكات التي حدثت في مساء جمعة التاسع من سبتمبر وجدنا أنفسنا كل يوم أمام ضحية جديدة، أمام حكاية أشد إيلاما، ودموع أمهات أخريات.
ثبات والدة فادي الصاوي في الفيديو الذي انتشر لها في السماء الإليكترونية بث بقلبي قوة ودفع بإيماني لعنان السماء رغم سواد ملابسها حزنا إلا أنني وجدت في أسودها قوة ترد فيّ قوتي الضائعة، وقوة قلمي الذي لابد أن يجد سبيلا ليكون عونا لمن هم مثل فادي وعزت.
حتى جاءت الصعيدية أم أحمد عبد الكريم
الفتى الشاب الذي جاء القاهرة قادما من أسيوط لإجراء مقابلة للإلتحاق بوظيفة في قناة تليفزيونية فكان مصيره السجن، حين تحدثت عن احتضانها لولدها خشيت أن تقول السيدة الوقور أنها ستكون المرة الأخيرة لكني حمدت الله فبها من القوة ما جعلها تسجل هذا الفيديو الجميل لتصرخ مطالبة بحق ولدها الذي شقيت وتعبت لتربيه وتنشئ منه رجلا.كل أم منهن لها مني تحية لأنهن بعثن فيّ إيماني من جديد بحق كل فرد منا في الحياة حرا، بإيماني بأن لا مجال للظلم في مصر بعد ثورة 25 يناير، في دفعي لأكون خارج دائرة اليأس والمشاهدة من بعيد ولأكون في بؤرة الأحداث حتى ولو بالكلمة.
ليس أبو يوسف أو أحمد حسن البنا ولا أحمد السباعي، أو مصطفى السيد بحكايتهم بعيدين عن عزت وفادي وأحمد عبد الكريم جميعهم انطبقت عليهم دائرة الظلم .
لكل منهم أم دعوني أحدثكم بلسانها ، دعوني أنقل لكم وجعا داميا لخصته والدة عزت في كلمة واحدة حين قالت: أنا هنا لا حول لي ولا قوة.
لا يا سيدتي أنت لك قوة، قوة الأمومة، قوة الحق، قوة إيمانك ببراءة ولدك الذي ربيتيه وعرفتيه وكنت أقرب له من الجميع.
كلهن يا سادة يبكين صغارهن وجميعهن في قرارة أنفسهن يتألمن حين يطلبن منهم ألا يبكون.
الأباء الذين نحيتهم جانبا وأخذت جانب الأمهات ليسوا بحال بعيدة عن تلك ولكنا اعتدنا بالرجال الصبر والقوة اعتدنا في الرجل صلابة ولكني أعلم ما بهم من حسرة وألم على فلذات أكبداهم على امتدادهم في الحياة، أولادهم الذين تحولوا لأرقام قضايا في سجلات الدولة، تلك الدولة التي بحثنا عنها طويلا وفقدنا دماء لأجلها فجاءت اليوم لتحصد باسم الظلم شبابنا.
والد عزت قال لي لقد كرم رئيس الوزراء أحمد الشحات بطل العلم فكيف يعاقب من هدم الجدار العار وقد زرع بفعله هو ومحافظ الشرقية الذي وهب أحمد شقة ووظيفة في قلب كل شاب حلم البطولة وحلم أن يأخذ بثأر جنودنا شهداء الحدود؟
كيف يطالبون بشباب متحمسين وجدوا أحمد مسار حديث الجميع أن يسكنوا خلف أسوار الظلم بينما هناك من فعل مثلهم وكان بطلا ؟
وبالرغم من هذا فهؤلاء المذكورة أسماؤهم لم يكونوا ضمن الأحداث ، بل كان بينهم من هو خارج من عمله أو كان ذاهبا لمنزله أو كان هناك بمحض الصدفة في اليوم التالي للأحداث وهنا نتساءل لماذا ؟
إحدى المحاميات قالت أن الأمر مرهون بقرار عفو، هل هذا ما تطلبه منا يا سيادة المشير أن نلجأ إليك متذللين لأجل قرار العفو عن أبنائنا؟
هل هذه الثورة التي قمت ومجلسك الموقر بحمايتها كما تردد دائما ويردد معاونوك تطلب من أهلها التذلل من أجل مظلوميها؟!
لن أتذلل ولن يتذلل أحد بعد الآن ولكن بنظرة لكل ما يحدث وما كان من أحداث السفارة خاصة أن تفرج عن هؤلاء وأقرانهم، أن لا تكون معولا يهدم في أعظم ما نملك شبابنا، هؤلاء الشباب الذين بفضلهم خرج الطاغية.
عزت الحالم بمستقبل أفضل شاب ثوري متحمس لا يريد الهجرة وكتب ذات يوم سنكمل المشوار دعه يكمله يا سيادة المشير، دعه يكمله.
فادي طالب معهد السينما فنان وليس بلطجيا مشاغبا.
أحمد عبد الكريم صاحب المكتبة والذي يعرف معنى الكلمة ومعنى الثقافة شاب ليس ببلطجي وإنما هو مصري ثوري متحمس.
ولك يا سيادة المشير كلمة لو كان أحدهم ولد لك ماذا كنت ستفعل ؟
الحرية لكل شبابنا المحبوس ظلما.
رباب كساب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق