وأصبحت تقف للتحدث عن العلاقة الزوجية غير السوية في قاعة المحكمة دون أن تنظر إلي الأسفل تعبيرا عن حيائها، ودون أن تسقط مغشيا عليها إذا وجه إليها سؤال خادش للحياء.
ففي الوقت الذي مازالت الفتاة في الصعيد تُجبر على الزواج من أبناء عمومتها بالرغم من عدم التكافؤ بينهما، نجد في المقابل ازدياد ظاهرة الخلع هناك ،خاصة خلال الـ 5 سنوات الأخيرة، والذي تعتبره المرأة المكرهة على الزواج طوق النجاة الذي ينقذها من جحيم حياة زوجية أجبرتها عليها عادات وتقاليد واهية.
للخلع.. الصعايدة وصلوا
من سوهاج تعلن منى- 23 عاما- حالة العصيان لأسرتها وترفض الارتباط من
"على"، لكنها رضخت بعد 15 يوما من الضغوط، ولقلق الأهل من ترددها اتفقوا
على عقد قرانها سريعا لتكون فى عصمته بعد شهر بالتمام."على" الذى لم تشعر تجاهه إلا بمشاعر الأخوة، سافر إلى ليبيا بعد 15 يوما من عقد القران، ليبدأ مرحلة الكفاح والإعداد للزواج.. توالت الأيام حتى مر عام ونصف بعدها جاء الخبر بارتكابه جريمة قتل وحكم عليه بالسجن.
حاولت منى ،رغم معارضة الأهل،
أن تخرج من هذه الدوامة التى غرقت فيها لمدة 6 سنوات بدعوى خلع كسبتها من المرة الأولى ، وكانت دائما تبكى عندما تذهب إلى محكمة الأسرة لأن سنها صغير على المحاكم ، وحتى لا تكرر التجربة رفضت الارتباط بعد الخلع بـ 5 أفراد تقدموا لها مؤجلة كل شيء حتى تنتهى من دراستها الجامعية.
وفي موقف مخالف لموقف منى تزوجت سحر بعد خلع زوجها بمجرد انقضاء شهور العدة.. مدللة بذلك على أن الخلع أصبح منتشرا فى الصعيد ومقبولا من كل الناس هناك دون أى فرق بين "المطلقة" و"الخالعة".
تتهم سحر زوجها المخلوع بالطمع فى مالها وتجارة أبيها، زاعمة أنه كان يقضي 15 يوما من كل شهر بشرم الشيخ بحجة العمل دون أن يتولى الانفاق عليها، وكان دائما مايقترض من الناس دون أن يسدد لهم مما أساء لسمعتها وسمعة والدها.
بذلت الزوجة ما في وسعها لتغييره وحثه على العمل ولما فشلت لم تتردد لحظة فى خلعه. تقول: اخترت الخلع دون الطلاق لأن اجراءاته تنتهى أسرع .. وكنت فى غاية السعادة عندما حصلت على الحكم منذ 8 شهور.
أما حميدة ،التى أنجبت 6 بنات وولد وعاشت مع زوجها سنوات طويلة بحلوها ومرها، كان جزاؤها الزواج عليها وحرمان بناتها من التعليم و إجبارهن على الخدمة فى البيوت ليصب دخلهن في جيب الأب الذي انصرف لنزواته والإنفاق على زوجته الجديدة متجردا من كل معانى الرجولة والأبوة.
حميدة كانت ترى أن الضرر الذى سيقع عليها بعد الطلاق أقل بكثير مما يحدث لبناتها فى وجود والدهم، وقررت أن تخلعه بعد 15 سنة زواج وترحم بناتها من بطشه وقسوته ، وبعد الخلع قررت العمل لكى تنفق على بناتها لكن كل الأبواب أُغلقت فى وجهها فقررت الرحيل إلى بورسعيد بعيدا عن سوهاج التي تناولتها فيها الألسن هي وبناتها بعد خلع زوجها رغم معرفة الجميع بالظلم الذي لاقته منه هي وبناتها الست.
وفي قنا رفضت رحمة أن تكون زوجة ثانية فهى كما تقول لم تقترف ذنبا ولكن قدر الله أنها لم تنجب، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب فى حرمان زوجها من حقه في الإنجاب.. لكنها ترفض أن يكون وجودها كعدمه وأن تكون زوجة بور كما يصفها أهل زوجها.
رفعت رحمة قضية طلاق للضرر.. لكن مرت سنتان ولم تحصل على الحكم بعد.. شعرت أن العمر يمر فلجأت الى الخلع الذى كفله الله لكل المسلمات الذين لايطيقون العيش مع أزواجهن ومازالت القضية بين جلسات المحكمة.
أول قبطية تخلع زوجها
وفي أسيوط شهدت المحاكم أول قضية خلع لقبطية عام 2002 بعد ان حصلت على
شهادة من كهنة الكنيسة الارثوذوكسية تفيد أن زوجها الكاثوليكي يسيء
معاملتها هي وأولادها.تقول منال: " الكنيسة وضعت محاذير كثيرة في هذا الشأن ولو فتحت الباب سيخلع أغلب السيدات أزواجهن لأن البيوت مليئة بالمآسي، وكم من البيوت مقفولة على قهر الزوجات والمرأة فيها غير قادرة على أخذ حقها ؟"
تصف منال تجربتها بالمريرة لأن ابنها وابنتها كانا صغارا ولم يكن الخلع معروفا ومقبولا وقتها، وتلفت أن النظرة للمرأة المخلوعة كانت سيئة للغاية والجميع يترصد خروجها ولبسها وكلامها، وتوجه لومها للإعلام الذي دائما ما يجسد المرأة المخلوعة إما منحلة أخلاقيا أو فريسة لشخص ما.
وتضيف أنها تزوجته عن حب لكن معاملته السيئة وتعديه المستمر بضربها وإهانتها وحبه الشديد للمال دمر مشاعرها تجاهه.
تقول منال : لم أفكر في الخلع إلا بعد فشل كل محاولات الإصلاح..حتى كهنة الكنيسة باءت كل محاولاتهم فى تغييره بالفشل، لذلك فقد ساعدونى عندما رفعت دعوى الخلع بمنحى شهادة قدمتها للمحكمة تفيد بأنه سيئ الخلق ويسيء معاملة زوجته وأبنائه."
رفضت أسرة منال الخلع وحاولت أن تثنيها عن فكرتها.. ومع تمسكها بحقها فضلت الاسرة الحياد ثم كانت المواجهة مع المجتمع وعدم الخضوع لثقافتة الذكورية وفي النهاية انتصرت منال.
فقر وجهل وشذوذ
مكاوى صفوت ،الخبير الاجتماعى بمحكمة الاسرة، يؤكد أن هناك إقبالا على
الخلع تصل نسبته إلى 30 % من قضايا الطلاق بسبب سرعة الإجراءات حيث
لاتتجاوز 7 شهور عكس قضايا الطلاق التى من الممكن أن تستمر 3 سنوات. ويشير إلى أن أكثر الأسباب التى تشهدها المحاكم فى قضايا الخلع في محافظات الصعيد تتمثل فى ضعف المستوى الاقتصادى للزوج، ورغبة الزوجة فى الحصول على معاش الضمان الاجتماعى بسبب عدم قدرة الرجل على الانفاق عليها ، بالاضافة إلي المعيشة المختلطة في بيت العائلة وتدخل الأهل فى حياة الزوجين، وعدم التوافق فى المعاشرة الزوجية بسبب ختان الاناث المنتشر بكثرة في قرى الصعيد.
ويضيف علاء جودت ، المحامى بالاستئناف: إن هناك نوعية من الرجال تمارس أفعالا غريبة على المرأة الصعيدية مثل الممارسات الجنسية غير الشرعية نتيجة مشاهدة أفلام إباحية، وإجبار الزوجة على تقليد مثل هذه النوعية من الممارسات الشاذة التي يحرمها الدين، مؤكدا على الآثار الكارثية لوسائل الاعلام الحديثة التي أدت إلى تدمير الكثير من الأسر المصرية.
وعلى العكس من الرأي السابق يوضح أن القدرة المادية للزوجة هي الفيصل فى اختيارها للخلع بدلا من الطلاق، وأنها عندما تكون ميسورة الحال تلجأ إليه رغم أنه يجردها من كل حقوقها خاصة بعد فشل المفاوضات بين الطرفين وتدخل كبار العائلات وجلسات الصلح من أجل إنهاء العلاقة بينهما بدون ضرر مادى أو معنوى، لكن عندما تكون أسرتها غير قادرة يكون الطلاق بالنسبة لها أفضل لأنه يكفل لها حقوقها القانونية والمادية.
وعن نظرة المجتمع للخالعة يلفت أنه لافرق حاليا بين المطلقة والمخلوعة حتى في محافظات الصعيد، وأن الاذلال والنظرة السيئة في الخلع تكون للرجل لأنه في الغالب يكون قد اضطر الزوجة إليه بعد أن استنفذت كل الحلول معه وعرضت عليه التنازل عن حقوقها فى سبيل أن يفك أسرها من هذا الحبس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق