الحلقة الاولى
((1))
((2))
الحلقة الثانية
((1))
((2))
((3))
((4))
الحلقة الثالثة
((1))
((2))
((3))
((4))
الحلقة الرابعة
((1))
((2))
((3))
((4))
الأقباط : مسلمون لا نصارى
تعتبر مفردة (( الأقباط )) على رأس قائمة عدد من المصطلحات الطاغية على استخداماتنا الفكرية والأدبية ، جمعتُها ، وأطلقتُ عليها اسم (( المصطلحات المسروقة ))
فبناءً على أكثر التقديرات التي تتجاوز الموضوعية ، كان عدد سكان مصر ـ يوم دخول المسلمين أرضها ـ حوالي ستة ملايين نسمة ، إلا أن بعض الكتابات الكنسية أوصلت هذا التقدير إلى نحو ثلاثين مليون (( قبطي )) ، كما جاء في كتاب ستالي لينبول : تاريخ مصر في العصور الوسطى ( ص19 )
والملايين الستة ـ التي يمكن أن يقبلها العقل ـ سكان مصر عام 640/641 بحسب التقويم الصليبي ، نسي أو تناسى كَتَبة التاريخ أنهم لم يكونوا أبداً من أصول فرعونية (قبطية) خالصة ، حتى كتاب د.محمد شفيق غربال : (( تكوين مصر عبر العصور)) الذي صدر ضمن سلسلة ((تاريخ المصريين)) رقم (42) عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ عندما رجعت إليه ظناً مني أنني وجدت ضالتي ، فوجدت أن المؤرخ الكبير كان أذكى من أن يتورط أمام كنيستنا ، ويقع في هذا المأزق ، فقال ـ (ص14) : ((لن أُلقي بالاً للمسائل المتعلقة بأصلهم أو جنسهم ، ذلك لأني أعني بالمصري : كل رجل يصف نفسه بهذا الوصف ، ولا يحس بشيء ما يربطه بشعب آخر ، ولا يعرف وطناً له غير هذا الوطن ، مهما كان أسلافه غرباء عن مصر في واقع الأمر ))
وبذكاء عرَّف الأسلاف ـ بدون إفصاح ـ في ( ص27) بأنهم : ((ا لإغريق واليهود ومَن إليهم من الغرباء ))
وإذا كان د. غربال لم يفصح بأن آخر الغرباء كانوا هم العرب فإنني لا أجد بأساً في الإفصاح عن ذلك رجوعاً إلى ما ألزمْنا به أنفسنا من شفافية في العرض، وشفافية في الرؤى ، وأفصِّل ما لم يلقِ إليه الدكتور بالاً ؛ للكشف عن الأصول الجنسية العرقية لشعب مصر عند الفتح الإسلامي ، إذ كانوا خليطاً من :
ـ فراعنة موحِّدين : كزوجة إبراهيم وولدها إسماعيل ـ عليهم السلام ـ اللذين جاءا في عهد الأسرة الثانية عشرة ، ويوسف ويعقوب ـ عليهما السلام ـ اللذين جاءا في عهد الأسرة السادسة عشرة ، وأخناتون ـ على الرغم مما حوله من ضباب ـ في الأسرة الثامنة عشرة ، وموسى ـ ومَن معه من اليهود عند الخروجـ في عهد الأسرة التاسعة عشرة، وعلى متخصصي الآثار أن يشاركوا في تأكيد ترتيب الأُسر لاختلافات فيها كثيرة
ـ فراعنة وثنيين مصريين ، صنعوا من الحجارة أصناماً ، وعبدوها ، وقدَّسوا الحيوانات والشمس والحكام والنهر !
ـ فراعنة يهود مصريين من أبناء يعقوب ـ عليه السلام ـ فإن كان موسى (عليه السلام ) قد رحل بهم من مصر فبالضرورة بقي منهم مَن فضَّل مصر ، وتخلف عن الهروب
ـ ليبيين أتوا من الغزو الليبي لمصر أيام الفراعنة
ـ أشوريين أتوا مع الغزو الذي أسقط آخر دولة فرعونية
ـ الإغريق اليونانيين الذين أتوا مع المقدونيين ثم البطالمة بحضارتهم الهيلينستية ( غزاة ثم طلبة علم في مدرسة الإسكندرية )
ـ رومانيين أتوا مع الغزو القيصري وللتجارة ، ثم لطلب العلم في مدرسة الإسكندرية
ـ فرس وثنيين ـ يعبدون النار ـ أتوا مع الغزو الفارسي وهزموا قياصرة روما لعدة سنوات في مصر
كل هؤلاء أتوا إلى مصر ، واستقر منهم مئات وآلاف على أرضها ، وتناسلوا فيها ، وأصبحوا (( أقباطاً ))
ثم إلى هذا الخليط اللامحدود الذي لا يستطيع أحد أن ينفى عنه ((قبطيته)) ـجاء مئات العرب للتجارة ، فعاد منهم مَن عاد ، واستوطن مصر مَن استوطن ، وشكَّلوا ـ جميعاً ـ البنية الأساسية للإنسان المصري يوم الفتح الإسلامي في أول عام من العِقد الثالث للهجرة النبوية المشرفة
اختلفت أصولهم ، وتباينت جنسياتهم ، وتنوعت عقائدهم ، لكنهم ـ جميعا ـ أصبحوا نسيجاً واحداً في دمه جينات الأرض الطينية ، وورث سمرة الوجه ، وجلد العزيمة ، وشرب من ماء النيل
ثم جاء الفتح الإسلامي ، جيش قوامه أربعة آلاف مقاتل من شبه جزيرة العرب ، وصحبة جاءت معهم من العراق ، وأخرى من بلاد الشام ، وهم في طريقهم إلى مصر تحت قيادة عمرو بن العاص وما لبث أن نهض إليهم عشرة آلاف مقاتل آخرين ، من بينهم آلاف جاءوا بحثاً عن الرزق في أرض مصر الخضراء ، التي انفردت ـ دون كل بلاد حوض النيل ـ باحتضان شاطئيه ، والالتصاق بهما
هذه الآلاف التي وفدت مع الفتح الإسلامي واصلت الزحف في مسيرة فتوحاتها الكبرى وتركت في مصر مَن شاء لنفسه البقاء على أرضها ، كما حدث في كل محطة من محطات الفتح ، يبقى آلاف ، ويرحل آلاف ، وفي صحبتهم من أبناء البلاد التي فتحوها آلاف أخرى
فإذا ما عدنا إلى مصر ، فقد أسلمت الغالبية ، وبقيت آلاف قليلة على عقيدتها النصرانية ، ورحلت آلاف ممن أسلموا مع جيوش الفتح 0 ولكن أحداً من هؤلاء لم يفقد ـ بإسلامه أو البقاء على نصرانيته ـ انتماءه إلى مصريته أو ((قبطيته)) ، وكما أشرت من قبل ، ولا يملك واحد ـ مهما بلغ علمه ومعرفته ـ :
ـ أن يوقف الجنسية القبطية على النصارى الذين كفروا بالوثنية الرومانية كفراً بواحاً
ـ ولا أن يوقفها على النصارى الذين خلطوا عقيدتهم بطقوس وثينة لا محدودة
ـ ولا أن يوقف الجنسية القبطية على مَن اعتقد بالأرثوذكسية الإسكندرية دون الذين اعتقدوا بالأرثوذكسية القسطنطينية ، أو الذين اعتقدوا بالكاثوليكية الرومانية من أبناء مصر
وعلى محور آخر فإن أحداً :
ـ لا يستطيع أن يحرم ـ من الانتماء إلى (( القبطية )) ـ ملايين من الذين كانوا وثنيين ، وتهوَّدوا
ـ أو الذين كانوا هوداً فارتدوا إلى الوثينة
ـ أو الذين كانوا هوداً وتنصروا
ـ أو الذين كانوا نصارى فارتدوا إلى الوثنية أو اليهودية
ـ أو الذين كانوا وثنيين أو هوداً أو نصارى وأسلموا
ـ أو الذين جاءوا بإسلامهم فأصبحوا ـ مع الأغلبية المصرية ـ أغلبية مسلمة
في ضوء التعددية ـ التي صُهرت في البوتقة المصرية ـ كان ضرورياً إعادة تشكيل مكونات الأمة الجديدة في العنصرين الأهلين :
الأول : الأقباط المسلمين وهم الأغلبية العددية ـ من أصحاب الأرض والتاريخ ـ الذين لم ينفصلوا بإسلامهم عن الحضارات السابقة ، وإن اعتقدوا بغير عقائدها)
الثاني : الأقباط النصارى (وهم الأقلية العددية ـ من أصحاب الأرض والتاريخـ الذين لم ينفصلوا بنصرانيتهم عن الحضارات السابقة ، وإن اعتقدوا بغير عقائدها)
وبناءً على هذه الحقائق ـ التي لا تقبل جدلاً أو نقاشاً ـ يصبح من العار العلمي والتاريخي والحضاري والأدبي والثقافي أن يألف أصحاب القلم أو الدعاة أو الوعاظ ـ جهلاً أو تدليساً ـ التزييف المركب للمفاهيم ، بأن يجعلوا من الجنسية الوطنية المصرية ( وهي القبطية) صفة لعقيدة دينية ، ثم يوقفوا هذه الصفة العقدية الدينية على القطاع المتواضع من جسد الأمة ، ويختزلوا ((القبطية)) ـ التي هي جنس ـ إلى دلالة طائفية ، كان يمكن قبولها بحسب قوانين العلم وشروطه لو أنها كانت للأغلبية الأعم
وأصبح مثيراً للعجب ـ مخالفاً لقواعد كلية ثابته لدى المفاهيم والأوعية العقلية ـ أن تُستوعب الكليات بداخل الجزئيات ، أو أن تحل الجزئيات محل الكليات ، وتصبح ((القبطية)) المصرية (التي هي جنس الأمة الإسلامية) ـ بدوافع عنصرية أو تحصيل لمكاسب آنية ـ عقيدة للطائفة التي شذت عن القناعات الجمعية التي تبنَّتها الأمة المصرية منذ أربعة عشر قرناً من الزمان !0
ويكون من العار أن يصف النصارى في مصر أنفسهم بأنهم هم (( الإقباط )) الخُلَّص ؛ لكونهم اضطُروا ـ أو تنازلوا عقدياً ـ بقبول بعض الطقوس أو العادات الوثنية ، أو احتلوا بعض المعابد اليونانية والرومانية وحوَّلوها إلى كنائس أثرية ، لعل أشهرها ـ وأخفاها عن المسلمين ـ كنائس فيلا بأسوان ، التي تُعامَل كمعابد أثرية ، واتخاذهم من الشعار الوثني ( مفتاح الحياة ) شكلاً قريباً من الصليب ، الذي لم يعرفه النصارى إلا بعد ثلاثة قرون من رفع المسيح ( عليه السلام ) !
إنما يكون (( الأقباط )) الخلص هم الذين حافظوا على وثنيات أجدادهم وأصنامهم للعبرة والعظة ، ولم يحتلوها ، ولم يهدموها ، ولم يحولوها إلى أماكن عبادة، بعدما ارتقت عقولهم بالوحدانية ، واعتنقوا الدين الذي أتى به البدو الرُّحَّل من شبه الجزيرة ؛ ليحررهم من الشرك وعبادة الحجر والماء والنار والبشر ، لكنه لم يطلب منهم ـ أبداً ـ أن يحرروا من (( قبطيتهم )) الوطن
وليس مَكرُمة أو علواً أن ترضى الكنسية المصرية لنفسها أن تنتسب عقيدتها لجنس من الأجناس ، حتى لو ظنت في ذلك تأكيداً على نصرانية الأمة قبل أربعة عشر قرناً من الزمان عاشتها تحت ظل الإسلام تاريخاً وحضارةً وعقيدةً
فالأقباط هو اسم عَلَم يدل على المسلمين المصريين دون النصارى ؛ لغلبتهم تاريخاً وحضارةً وعدداً ، فإن أردنا أن نعرّف نصارى مصر لزمهم ـ بالضرورةـ إضافة كلمة ((الأقباط )) ؛ لتمييزهم عن النصارى السريان (سورية) ، والنصارى الأرمن (أرمينيا)، والنصارى الرومان (روما) ......إلخ ، فيكونون ((النصارى الأقباط)) ، فإن جاء القول مطلقاً ((الأقباط فقط)) ـ فإنما يكون المقصود هو ((أهل الإسلام )) تعميماً لهم ؛ لكونهم أغلبية الأهلين في الوطن الكبير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق