لم يتمكن حمدى سليم من حبس دموعه عندما شاهد فى التليفزيون
تحت عنوان «خبر عاجل: براءة جميع المتهمين فى موقعة الجمل»، استعاد ذكريات
الموقعة، وما حدث فيها كما لو كان شريطاً سينمائياً، متذكراً إصابته بطلق
نارى فى ساقه اليسرى خلفت لديه إعاقة ونسبة عجز. «موقعة الجمل دى كانت آخر
حرب للنظام وأهو كسبها النظام القديم للأسف ورجع تانى، وكأننا معملناش
حاجة»، جملة قالها «حمدى» وهو فى حالة من الدهشة والذهول فور سماع الخبر،
فحمدى سليم، 35 عاما، مواليد محافظة أسيوط، ويعمل موظفاً، أصيب فى الموقعة
ونقل إلى مستشفى أحمد ماهر وتلقى العلاج ولكنه بحسب قوله: «أنا بعد الثورة
ما أخدتش حقى صحيح، لكن النهارده حسيت إن القصاص فى الناس اللى قتلونا مش
راجع».
فى منزله البسيط الذى يكاد يخلو من الأثاث فى منطقة أرض
اللواء فى حارة على المدرس بشارع المدينة المنورة، يسكن حمدى مع زوجته
وأبنائه الأربعة، ورغم ضيق ذات اليد بسبب عدم استقراره فى العمل نظراً
للإصابة، فإنه لايزال يفتخر بقدمه المصابة ويعتبرها وساما ثوريا، مؤكدا أنه
دون تضحيات لما تنحى مبارك عن الحكم. بدت علامات الحزن على وجه الرجل الذى
كان حريصا فى بداية جلسات القضية على الحضور، وكان يملك شعورا بأن حقه سوف
يعود، إلا أنه شعر بعد طول هذه الفترة أنه لن يحصل على أى شىء، قائلاً:
«براءة المتهمين اللى أصابونى ده، خلاهم مجنى عليهم مش جناة وأنا خايف أصحى
فى يوم ألاقى قضية مرفوعة ضدى من أى واحد منهم، وياخد حكم على أهالى
الشهداء والمصابين، وندفع له تعويض عن الفترة اللى قضاها فى السجن».
يسترجع ذكريات موقعة الجمل، مع «المصرى اليوم» التى كانت فى
منزله عقب صدور الحكم بدقائق، قائلاً: «ذهبت إلى الميدان فى الواحدة ظهر
يوم 2 فبراير، وفى لحظة دخولى شاهدت الميدان وقد تم حصاره، بعدد من الجمال
والخيول والبلطجية يحملون السيوف، دخلت وسط المعركة، وأمطرنا البلطجية
المأجورين بوابل من الطوب والمولوتوف، وكانوا ينعتوننا بأقذر الكلمات،
واشتبكنا معهم وعاينت بنفسى استشهاد 3 أمام المتحف المصرى عصر هذا اليوم».
يستكمل روايته: «أثناء الاشتبكات رأينا سيارات الإسعاف وهى تنقل البلطجية
داخل الميدان، وألقينا القبض على عدد كبير من البلطجية والأسلحة وسلمناهم
إلى الجيش، وفى إحدى نوبات الكر والفر أصبت فى رجلى اليسرى، ونقولنى الثوار
إلى المستشفى الميدانى فى جامع عمر مكرم وقام الأطباء باستخراج الرصاصة فى
الجامع، ثم نقلونى إلى مستشفى أحمد ماهر الذى كتب فى تقريره الطبى أن
الإصابة كانت برصاص حى».
يضيف: «فضلت فى مستشفى أحمد ماهر يومين وبعدها خرجت ورجعت
ميدان التحرير حتى التنحى، ثم بدأت رحلة العلاج كمصاب ثورة، والتى لم أحصل
منها على حقى إلا بعد مرور عام ونصف على الأحداث فى صورة تعويض مادى، لكن
حقى الجنائى وحقوق الشهداء ضاعت بهذا الحكم».
يلوح «حمدى» بشهادة صادرة من محكمة استئناف القاهرة تفيد بأنه
أصيب فى يوم موقعة الجمل، ويصرخ: «الواحد افتكر أن بعد التنحى البلد حاله
هيتعدل لكن الوضع أصبح أسوأ، فبعد أن استخرجت الأوراق التى تثبت أنى مصاب
ثورة، بدأت رحلة الشقاء والعذاب، كانت البداية فى مجلس مصابى الثورة
والشهداء، الذى أعطانى تعويضاً قدره 15 ألف جنيه، وكارنيهاً يفيد بأنى مصاب
ثورة ولكنه غير مفعل، وعانيت من تعامل الجهات الحكومية بشكل سيئ ومهين زى
ما نكون بنشحت». على الرغم من صدور قرار بأحقية مصاب الثورة فى الحصول على
معاش، فإن حمدى لم يحصل عليه من مجلس مصابى الثورة، أو أى جهة حكومية،
وأخيراً وبعد عام من الثورة صدر قرار بتعيينى فى هيئة الأبنية التعليمية فى
الجيزة بعد قرار المشير حسين طنطاوى بتعيين جميع مصابى الثورة.
الزوجة «أم نور» التى تعانى مع الأسرة قسوة العيش، قالت
تعليقا على الحكم: «الثورة دى ماتت خلاص واتقفلت الستارة على كده عليه
العوض فى رجله». وعن شعورها عندما سمعت بخبر براءة المتهمين فى موقعة الجمل
قالت: «حسيت بألم كل أم وأب فقد ابنه فى الثورة، وإن دم الشهيد راح هدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق