لكل انسان طريقته في الكلام واستخدام يديه وتعبيرات وجهه, وقد يبدو ذلك أمرا طبيعيا لا يلفت الانتباه, لكن العلم الحديث توقف عند ذلك, وقام العلماء بدراساتهم النفسية, فخرجوا بنتائج قاطعة تؤكد أن حركات اليدين واشارات الكلام مؤشر نفسي لا يقبل الشك على شخصية صاحبها, ليس هذا فحسب بل أنها تحدد ما يدور في عقله وما يعتريه من أفكار.
حول دور اشارات الكلام وحركات اليدين في تحديد شخصية الانسان, وقياس ميوله النفسية والمجتمعية, وتوقعات ردود أفعاله تجاه الآخرين, أجرت "السياسة", هذا التحقيق:
يقول الدكتور ابراهيم محمد المغازي, أستاذ علم النفس بكلية التربية جامعة قناة السويس: حركات اليدين واشارات الكلام وتعبيرات الوجه دليل نفسي قاطع على تحديد شخصية الانسان, وعلى ما يدور في عقل البشر من ذكاء وتفكير, فاذا كان تفكير الانسان سلبيا جاءت الايحاءات والمفردات اللغوية والاشارات الكلامية لا ارادية ولا شعورية ممثلة في اليدين على هيئة رعشة شديدة أو بسيطة وتعرف بهيستريا اليدين, وقد تنطلق تلك الرعشة أو التعبيرات الكلامية من عقالها بداخل أعماق الانسان كطلقة المدفع على هيئة حركات أو اشارات جسدية أو كلامية منبوذة ومذمومة, وهو ما يفسر على أنه سلوك عدواني للانسان, بينما هي في الأصل عبارة عن اضطراب نفسي وعقلي أو تعبير عما يتعرض له الانسان من ضغوط نفسية وحياتية تمثل أزمات كلامية حركية عن طريق اللسان وتعبيراته أو اليدين واشاراتها. واذا كان تفكير الانسان ايجابيا فكل الانفعالات الناجمة عن يديه واشارات الكلام لديه تكون ارادية تتم على مستوى الوعي والشعور الانساني ويتحكم فيها العقل والادراك بطريقة منطقية واقعية, ويرجع ذلك الى اعتدال السلم الوجداني لدى الشخص أو ما يعرف بالالتزام النفسي, وتتمثل سلامة الميزان النفسي للشخص في منطقية وواقعية تعبيرات وايحاءات الوجه والكفين التي تكون فيها بشاشة واستبشار وتفاؤل, وهذا بسبب ما يحتويه اللاشعور من ثقافة وعواطف وانفعالات ومواقف وذكريات متنوعة ايجابية أو سلبية خلال مراحل النمو الانساني المختلفة.
والحركات اللاارادية الخاصة
باليدين أو "الحبسية الكلامية" التي يعقبها الاندفاع في الكلام ترجع الى غياب الذكاء العاطفي أو الوجداني الذي ينشأ بسبب غياب العاطفة الوجدانية بين الأم والطفل خاصة في فترة الرضاعة الطبيعية المصحوبة بالابتسامة ومشاركة الطفل بالكلام والتعبيرات السارة البشوشة, لأنه أثناء تلك الفترة يجب أن يكون هناك ارتباط وجداني بين الأم ووليدها والمقصود هنا الرضاعة, فقد قال عز وجل في كتابه الحكيم: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا".فالوعاء الحسي والادراكي المعرفي للطفل يجب أن يمتلئ حتى يشعر بالترابط الأسري مع المجتمع المحيط به, فينشأ على ذلك طوال حياته, وتتضح في حركات يديه وتعبيرات واشارات الكلام, أما لو كانت الرضاعة صناعية فلن يتواجد ارتباط مع الطفل فيغيب عنه الارتباط الوجداني بمجتمعه مدى الحياة, وبالتالي يفقد الطفل الثقة في الأم وهي أقرب مخلوق لعقله وادراكه أو من ينوب عنها في تربيته وعنايته, حيث تظهر أعراض التوائية السلم الوجداني في صورة تعبيرات كلامية واشارات مفهومة, وهو ما يفسر على أنه اعوجاج الميزان النفسي للانسان فتظهر على صورة حدة في الطباع,وفي مفردات الكلام, مع لغة سيئة, وحركات لاارادية, كما تشير قسمات وجه الى التشاؤم, واصابته بالثالوث المعرفي المكون من سوء الظن بالآخرين, وسوء تقديره للموقف الذي يسبب أزمته النفسية, وتفسير المواقف والأحداث حسب نفسية الفرد, والنظرة التشاؤمية للمستقبل, ويكون على هيئة فقدان ثقة بالآخرين, وهو ما يعرف علميا بالشخصية السيكوباتية المرضية التي مات ضميرها في المجتمع, والتي قال تعالى عنها: "يَا أَيُهَا الَذِينَ آمَنُوا اِنَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ".
ويرى الدكتور هاني فكري أبو هاشم, مستشار الصحة النفسية ولغة الجسد, رئيس قسم العلاج النفسي بمستشفى الأحرار بالزقازيق: حركات اليدين واشارات الكلام تحدد نوع الشخصية, فالشخصية "القلقة" تكون سريعة حركات الأصابع وفرك الكفين, ما ينتج عنه زيادة افراز الدماغ للأدرينالين, ويعقب ذلك كثرة اهتزاز اليدين والرجلين, وحركة العين السريعة, وهو ما يسمى ب¯ "هرمون الغضب", وكثيرا ما يكون للأشخاص انفعالات داخلية مكبوتة تفجر ما داخلهم من طاقات الاحتمال في صورة حركات واشارات حيث تبدأ بوادر الشخصية العصبية في الظهور رغم أنها قد تكون في الأصل هادئة ولكن "لكل هدوء قدرة على احتمال الضغوط". مشيرا الى أن الشخصية العصبية تكون سهلة الاستثارة لأي ضغوط ويكون رد فعلها قويا وعنيفا في كثير من الأحيان, لفظيا وحركيا, ويصل الى حد العنف بالضرب أو بذاءة الألفاظ والغضب الحركي والعضلي, أما الشخصية الهادئة فيستطيع صاحبها أن يختزن انفعالاته داخل ما يعرف ب¯ "البرميل النفسي", وبعدها يخرج عن شعوره عند فراغ طاقات الاحتمال لديه ويصنف على أنه شخص عصبي هادئ, وهذا النوع من الشخصيات حركاته العصبية لا ارادية وتظهر فجأة ولا يمكن التنبؤ بها ولا يستطيع صاحبها التحكم فيها, أما الشخص العصبي فهو كثير الانفعال يستطيع التحكم في تصرفاته لأنه اعتاد على الغضب.
ويكمل أبو هاشم بأن الشخص العصبي الحاد يعرف من اصراره على فرض رأيه, حركات يديه ورجليه, اشارات الكلام, وقد يتحرك جسده بالكامل أثناء الكلام, ويلاحظ عليه ارتفاع ضغط العين واحمرارها, ورعشة اليدين ويكون في حالة صحية غير طبيعية, مشيرا الى أن وجود شخصيات تتسم باللامبالاة والبرود النفسي, وارسالها واستقبالها للأحداث غير سريع في الرد أو الانفعال, بجانب بطء ترتيب الكلام والجمل الكلامية والكسل الحركي, بعكس الشخصية الهادئة غير العصبية التي تصل الى أهدافها بأسلم الطرق, ويطرق صلب الموضوعات دون مواربة, بينما الشخصية العصبية تحب السيطرة على الآخرين وتهوى الظهور.
يقول لدكتور صمويل تامر بشري, أستاذ مساعد بقسم علم النفس, كلية التربية جامعة أسيوط, اشارات الشخص منها العصبية والحسية وأخرى طبيعية ومرضية, وتظهر الأخيرة في صورة حركات متلازمة تلاحظ في هز الرأس مرة أو مرتين يمينا أو يسارا بشكل منتظم, وقضم الأظافر, وعادة ما يتسم بها الشخصيات الموسوسة القلقة, أما الايماءات الحركية فهي تميز الأشخاص بصفات معينة حيث يكون منتبها عند الحديث اليه بالاصغاء وهز الرأس من أعلى لأسفل وتكون حدقة عينه مكتملة الاستدارة مصوبة تجاه المتحدث ما يعني زيادة نسبة تركيزه واستعداده لتقبل الآخر, أما وضع الشخص يده على "خده" فتعني عدم اقتناعه بما يدور حوله, ومن يتحرك كثيرا وسريعا في جلسة ما بشكل متوتر تنم عن اللامبالاة. وهناك أيضا الشخصيات الحساسة التي يستدل عليها من حساسيتها في ارسال واستقبال الأحداث المختلفة التي تمر بحياتها, وهو شخص يدير كل شيء باللباقة والمنطق والهدوء والاحساس المرهف في رد الفعل الحركي والحسي, ويكون رومانسيا واستقباله للأمور ووزنها يكون متزنا, ولديه فلتر نفسي وعقلي واسع لكل الأحداث, ويمتلك ذاكرة شخصية متسعة, وفي أثناء حديثه يجذب تركيز الآخرين اليه, ولكن هذه الشخصية عند رجوعها للبيت تظهر بداخلها شخصية أخرى تماما ويلازمها الشعور بالاكتئاب وهو شعور منتظم لا يزيد ولا يقل ويدور أمامه شريط اليوم, ويشعر بالذنب تجاه العديد من أحداث حياته.
وتعتبر اشارات الكلام أو التعبير الكلامي أو بلفظها العلمي "الاسقاط الكلامي" هي التي تحدد نوع الشخصية, ف¯ "الانسان مخلوق تحت لسانه", كما أن "الألسنة مدارس القلوب", واذا وجد شخص يتحدث بسرعة وترتيب اشاراتي حركي وكلامي, فهذا معناه أنه شخص متفاهم ومدرك جيدا لما يقول, أما الذي يتحدث بشكل متقطع فمعناه أنه يبحث عن مبررات لكلامه, واذا كان نظر الشخص لأعلى ويبحث عن الكلمات في أثناء حديثه فهذا يعني انه مشتت يعاني من توتر نفسي.
أما الدكتور السيد عوض عيسى, أستاذ مساعد ورئيس قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة قنا فيرى أن النفس البشرية مثل الصحراء مليئة بالكنوز والأسرار, وتتشكل حسب حجم ما يلقى فيها من مرادفات ومخزون مجتمعي وأخلاقي وقيمي وفكري, مشيرا الى أن كثيرا من المواقف الاجتماعية والحياتية تتلازم معها اشارات ومرادفات متزامنة ترتبط في لا شعور الانسان بتلك المواقف وتظهر عند رؤية شخص عزيز, أو شخص تتشاءم منه. كذلك فان الجسم الجيد والقوي دليل على نفس قوية, بعكس النفس المريضة والتي تعكس جسدا ضعيفا, والتعبيرات النفسية التي تحدث للشخص تكون نتيجة المؤثرات الاجتماعية المحيطة به وتؤثر فيه وتطفو على سطح الشخصية البشرية, موضحا أن الايماءات والانفعالات والمرادفات الكلامية تشكل عنوان كل شخصية وتفسر سلوكها وبيئتها, فحركات اليدين واشاراتها تعبر عن الحزن, والوعيد, والسرور, والارتياح, والكبت, وغير ذلك من رصيد اجتماعي مختزن داخل النفس البشرية ويظهر من آن لآخر أو يكون متلازما مع النفس طوال الوقت سواء كانت عصبية مطلقة أو هادئة مطلقة أو عصبية هادئة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق