عيناها المملوئتين بالحيوية، تنسيك سنوات عمرها الـ 86، وتجعلك تكاد لا ترى العصا التى تتوكأ إليها لتساندها فى حربها مع هشاشة العظام والزمن.
هى جزء حى من ذاكرة مصر، عاصرت الملك فاروق وثورة 52 ثم الرئيس محمد نجيب أو "أونكل محمد نجيب" كما اعتادت أن تناديه، ثم جمال عبدالناصر، والسادات، ومبارك، ومرسى، ولا تزال الحاجة ابتسامات عبد الله، مهمومة بحال مصر، رغم الإهمال الذى تلاقيه من الحكومة، و تتمنى لو وقفت فى منتصف ميدان التحرير لتصرخ فى المصريين "فوقوا بقى ما تضيعوش مصر"، وتتمنى أن تلتقى وزير الدفاع، الفريق أول عبد الفتاح السيسى، الذى ترى أنه ذكى ومحنك وحكيم وتقول "بيفكرنى بالسادات"، لتخبره أسرارًا رفضت الإفصاح عنها، عن حقبة هامة فى تاريخ مصر، وعن حرب1948 التى عاصرتها ميدانيًا مع 9 متطوعات أخريات.
الحاجة ابتسامات هى أول امرأة تحصل على رتبة ملازم فى الجيش المصرى، وهى أول سيدة تحصل على نوط الجدارة والاستحقاق، كما كرمها الملك فاروق لدورها، وزميلاتها، فى حرب 48، فى غزة، وهى كما تقول، ابنة القوات المسلحة والشرطة أبًا عن جد، ابنة حكمدار أسيوط الأسبق الأميرلاى محمد عبد الله، وشقيقة الكونستابل الأمين عبد الله، الذى ألقى القبض على الاثنين الصهاينة، منفذى عملية اغتيال الوزير البريطانى المفوض فى مصر اللورد موين.
كلما تتذكر الحاجة ابتسامات،
ما رأته من أهوال فى حرب 1948، وزميلاتها المتطوعات اللاتى استشهدن، وكان من الممكن، لولا إرادة الله، أن تكون بينهن، تضرب كفًا بكف وهى تتساءل "إزاى مش عايزين يدونى كارنيه المحاربين القدماء، ولا يعالجونى على نفقة القوات المسلحة؟".
فى خضم الأحداث الجسام التى عاشتها السيدة ابتسامات، والتى تكشف بوضوح أنها امرأة قوية، جريئة، تُفاجأ بامرأة مرهفة الحس، وعاشقة، وفية حين تراقبها وهى تحكى عن "حب العمر" اللواء حبيب، زوجها الراحل الذى طافت معه كل الدول العربية تقريبًا، وتفخر حتى الآن به وببطولاته، مؤكدة أن حبهما لن يموت أبدًا، رغم وفاته، لأنه "قام منذ البداية على الصراحة والاحترام المتبادل"، وترى أن هذا ما تفتقده غالبية الزيجات فى يومنا هذا، لذا نلاحظ تصاعد حالات الطلاق.
منزل الحاجة ابتسامات، حافل بالنياشين والأعلام وشهادات التقدير والصور التى تحمل الواحدة منهم أكثر من قصة، وصارت هى رفيقها الوحيد أغلب الوقت بعدما رحل رفيق عمرها قبل 6 سنوات، ولم ترزق منه بأولاد.
و تفخر بأن بيتها احتضن اجتماعات عدة للضباط الأحرار، قبيل ثورة 52 وبأن الرئيس الراحل محمد نجيب احتفظ فى بيتها بحقيبة تحمل أوراقًا هامة قبل الثورة بليلتين واستردها قبل الثورة بليلة لتفاجأ اليوم التالى بأنباء الثورة وما فعله الضباط الأحرار.
تحدثت عن حال مصر الآن تشتعل عيناها غضبًا، تقول إن "الثورة لما بدأت كانت صحيحة" ولكنها غير راضية عما آلت إليه الأمور الآن، وترى الكل مسئولا عن هذا الحال، إذ ترى أن الرئيس مرسى عليه أن يغير من نفسه، ومن سياسته، وأن يهتم بالداخل قبل الخارج، مشددة على ضرورة الاهتمام بالضباط المخطوفين فى سيناء منذ قرابة العامين، وأن يكشف المتورطين فى قتل جنودنا على الحدود فى رمضان، كما تطالب الداخلية بأن "تفتح صفحة جديدة وتنسى الماضى" وتمارس دورها بأمانة، موصية المتظاهرين والمحتجين بأن يغلبوا مصلحة مصر ويطلبوا مطالب منطقية، وتمنت أن يحافظ الجيش على ضبط نفسه والحكمة فى التعامل.
سارة درويش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق