بين مقاعد القاعة الرئيسية فى كنيسة مارجرجس بأسيوط، وقفت السيدة الثلاثينية تنظر إلى مذبح الكنيسة بعين باكية، عيناها تدمعان بينما يبدو على قسمات وجهها الحزن بسبب المشهد الذى تطالعه، لسانها يتمتم بكلمات بينما تضم قبضتيها، ورأسها ينظر لأسفل من آن لآخر، رسمت بيدها علامة الصليب، ثم ناجت ربها وقالت: «يا رب، انت سمحت بالتجربة إنها تحصل، لكن أنا عارفة أنك كدا كدا هتقف معانا، وإن ده كله للخير».
كنيسة «القديس مارجرجس» بأسيوط واحدة من الكنائس التى نجت من محاولات الإحراق الكاملة، لم تتضرر الكنيسة تماماً، احترق المذبح وصبغ الدخان الأسود حوائط وأعمدة الكنيسة كما احترق «الخورس»، وهو المكان الذى يقف فيه الشمامسة لتلاوة التراتيل أثناء القداس والاحتفالات.
وقف العشرات من أهل الكنيسة بصحبة الأب يوحنا راعى الكنيسة، يؤدون صلاتهم، يرفعون أياديهم إلى السماء، مرددين دعواتهم وترانيمهم، مرددين «كيرياليسون» التى تعنى «يا رب ارحم».
داخل كنيسة الشهيد مارجرجس بمحافظة أسيوط، التى تُعد مركزاً لتجمع المسيحين، يوجد عشرات الشباب جنباً إلى جنب، لا يجمعهم سوى حبهم لدينهم وللمكان، يعملون كخلية نحل على إعادة الكنيسة كما كانت عليه، فالحريق الذى نشب فى الكنيسة كان الأقل ضرراً مقارنة بالكنائس الأخرى، تسبب فى حرق جزء ليس بكبير، حيث التهم الحريق مذبح الكنيسة والخورس وبعض المتعلقات الخاصة بالكنيسة، لكن الحريق لم يمنع المصلين من أداء صلواتهم.
يقول جوزيف إكرام أحد شباب الكنيسة، إن اقتحام مجموعة مسلحة الكنيسة أدى إلى حرق جزء منها، ومجموعة من الصور التى لها مكانتها داخل الكنيسة، وأضاف بنبرة يغلفها الحزن أنه تم حرق كل من صورة السيد المسيح والسيدة العذراء والشهيد مارجرجس.
روى الشاب العشرينى حال أهل الكنيسة بعد الحريق، وقال إنه بالرغم من الحزن الذى خيّم عليهم جميعاً، فإن مشاعر الأمل تنبض مرة أخرى فى نفوسهم، وإنهم قاموا بالصلاة، حتى يُذهب الله عنهم هذا الهم، قائلاً: «قمنا بالصلاة يوم الأحد فى موعدها، وكان دعاؤنا الرئيسى أننا يجب ألا نزعل ونشكر الله أكثر، لم يكن لدى الناس تخوف فى هذا اليوم بل جاءوا جميعهم وبأعداد كبيرة قبل موعد فتح الكنيسة».
داخل الكنيسة 5 دواليب فى الحائط، شرحها جوزيف بأنها مكان يسمى «خورس»، وهو المكان المخصص لحفظ ملابس الكهنة وبعض المتعلقات الخاصة بالكنيسة، وأثناء حديثه رفع يده إلى السماء: «الحمد لله إن الحريق مش كبير لإن الشباب قدر يلحقها بسرعة وأطفأوا النار»، كما قال إن الحالة التى عليها أسيوط الآن أقل ضرراً مما كانت عليه فترة التسعينات من القرن الماضى.
قال أسامه كمال الشاب الذى يبلغ من العمر 19 سنة، إن هذا الحادث جعله يزداد قرباً إلى الكنيسة عن أى وقت سابق، كان أسامة معتاداً التوجه للكنيسة مرة واحدة فى الأسبوع، أما الآن فأصبح يوجد بداخلها كل يوم، ويسهر على حراستها فى الليل. ويروى أنه منذ 3 سنوات كان يعانى من إحدى الإعاقات، وطلب من الشهيد مارجرجس أن يتشفع له، وحدث بالفعل أن تم شفاؤه، قائلاً: «علشان كدا لما شفت كنيسة القديس مارى جرجس محروقة كنت بأبكى، وأول يوم حضرت كان يوم الصلاة، وكان هناك عدد كبير داخلها يفوق العدد الذى يأتى إلى قداس العيد، ودعوت ربنا يوم الصلاة إن ربنا يعفى عننا كل اللى بيحصل دا ويقف معانا، وبدأنا نرجع تانى ونعمل على إعادة المكان كما كان».
ويتحدث برسوم فايز، الشاب الذى يبلغ من العمر 21 سنة، عن الأوقات الصعبة التى قضاها داخل الكنيسة أثناء الحريق، ويقول إنه كان موجوداً بالداخل وقتها، وفى البداية سمع صوت طلقات النيران، فنظر إلى الشارع ولم يجد شيئاً، وبعد ذلك بقليل شاهد أحد الأشخاص يحاول التسلق والقفز إلى داخل الكنيسة، وبالفعل استطاع أن يدخل، واستخدم آله حادة فى كسر القفل الخاص بالبوابة الرئيسية.
يقول برسوم الذى يمتلك نسخة من مفاتيح الكنيسة ويحضر يومياً صباحاً ومساءً، إنه عندما رأى هذا الشخص اختبأ داخل مكان آمن حتى لا يتعرض للأذى، وكان يسمع عدداً كبيراً ممن اقتحموا الكنيسة وهم يرددون «الله أكبر». وأضاف: «أول ما سمعت صوت الناس دخلت وبدأت تطفّى الحريق خرجت علشان أطفّى معاهم».
أحمد منعم
محمد على زيدان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق