** ‘‘ممنوع دخول النساء’’ شعار سينمات الوجه القبلي
**الأعياد تبعث دور العرض بعد موتها.. والمولات التجارية تقتل أملها في العودة
الفيوم: ولاء الكيلاني
قنا: سعيد عطية
سوهاج: شيماء دراز
الأقصر: أسماء أبو بكر الصادق
المنيا: رشا علي
أسيوط: رشا هاشم
الغردقة: محمد عبد الله
أسوان: يسرا على
بني سويف: أسماء أبو بكر
حينما نقول ‘‘الصعيد’’، و‘‘السينما’’، يخطر ببالك الأفلام التي تتناولها السينما عن الصعيد، والشخصيات الصعيدية التي تمثل معظم وأهم الأدوار في تاريخ السينما، بينما لا يأت ببالك وضع السينما، كدور عرض، بمحافظات الصعيد، ففي حين تتحدث معظم الأفلام عن شخصيات من الوجه القبلي، إلا ان الوجه ذاته، لا يمكنه رؤية السينما، ففي تسع محافظات بالصعيد، تشابه الوضع، في قلة السينمات، وانعدامها أحيانًا، حيث تحول معظمها إلى مشروعات تجارية، وما تبقى دون المستوى. ‘‘المندرة’’ قامت برصد تلك الظاهرة، في تحقيق شمل معظم محافظات الصعيد.
ومن خلال التحقيق، استنتجنا عدة قواسم مشتركة، بين محافظات الصعيد، في هذا الإطار، أهمها إغلاق معظم السينمات المتواجدة بالوجه القبلي، لتحل محلها مشروعات تجارية، فمحافظة قنا، لم تعرف السينما سوى في مركز نجع حمادي، قبل أن يتقاسم ملاك الأراضي، المساحات المُقامة عليها السينمات، لإقامة أبراج سكنية، وفي الفيوم، قام مالك سينما عبد الحميد، التي كانت توجد بميدان السواقي، بهدمها، عقب ثورة يناير 2011، مستغلًا الإنفلات الأمني وقتها، وقام ببناء برج سكني، وافتتاح معرض تجارى بدلًا منها،كما أغلقت سينما كليوباترا أبوابها، العام الماضي، وتم تأجيرها كقاعة أفراح.
أما محافظة الأقصر،
التي كانت تحتوي على 11 دور عرض سينمائي، لم يعد بها سوى سينما واحدة، حيث تحولت معظم السينمات بها إلى مشروعات تجارية، فسينما ‘‘دريقة’’ تحولت إلى مخبز، وأصبحت سينما ‘‘النصر’’ مصنعًا للثلج، وتعرضت سينما قصر الثقافة للإزالة، وتحولت سينما ‘‘الندى لاند’’ إلى قاعة أفراح، وهو ما شابه وضع محافظة أسيوط، حيث كانت تضم ثلاث سينمات، منهم ‘‘سينما خشبة’’، التي بيعت لشخص أنشأ مكانها مول تجاري.
السبب سياسي
بخلاف السينمات التي أغلقت لأسباب اقتصادية، كانت هناك سينمات تسببت الأحداث السياسية في إغلاقها وتدميرها، كما في محافظة أسيوط، التي أغلقت فيها سينمات ‘‘رنيسانس’’ أبوابها لأكثر من أسبوع، بعد أحداث فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية، وكذلك محافظة سوهاج، التي تم فيها مهاجمة سينما ‘‘أوبرا’’، صباح يوم 14 أغسطس، واقتحامها من قبل المعتصمين بميدان المحافظة، من أنصار الجماعات الإسلامية، وطالها ما لحق بالميدان من حرق، وتحطمت الكافيتريا وشباك التذاكر، ومنذ ذلك اليوم، والسينما عبارة عن حُطام.
للرجال فقط
لم يكن غريبًا، أن تكون السينما في الصعيد، مثل أشياء أخرى كثيرة، حكرًا على الرجال من دون النساء، ففي محافظة قنا، يُمنع على الفتيات والسيدات، الذهاب بمفردهن إلى السينما، أيًا كان مستواهم الإجتماعي، وكذلك الأمر في سوهاج، حيث أعرب بعض الفتيات لـ‘‘المندرة’’، عن تخوفهم من نظرة المجتمع للبنت التي تدخل السينما، وهو الأمر ذاته الذى أكدته هبة توفيق، طالبة بكلية الفنون الجميلة بأسوان، حيث قالت إنها من عشاق السينما، لكنها لا تستطع دخولها في أسوان، احترامًا للعادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع الصعيدى على البنت، موضحة أن أهلها لا يمانعون من دخولها السينما في القاهرة أو الإسكندرية.
السينما VS الإنترنت
من أهم أسباب اندثار السينمات في محافظات الصعيد، وإغلاق معظمها، كان قلة الإقبال، إما بسبب حالة الركود طوال العام، فلا يفكر أحدًا في دخول السينما، وهو الحال الذي لا ينعشه سوى الأعياد، والسبب الآخر، الذى دفع أصحاب هذه السينمات للإغلاق، وكان القاسم المشترك الأكبر بين كل المحافظات، هو تسبب الإنترنت والقنوات الفضائية، في قلة الإقبال على السينمات، فالفضائيات تنقل الأفلام بعد بضع أشهر من عرضها بدور السينما، وتُرفع الأفلام على الشبكة العنكبوتية فور عرضها بأيام قليلة.
بلد السينما بلا سينما
البلد التي أخرجت للسينما العديد من العمالقة، مثل يوسف وهبي، ونجلاء فتحي، ومريم فخر الدين، والتي اختارها معظم المخرجون، ليُظهِروا مناظرها الجميلة أمام الشاشة، بداية بوادي الريان، مرورًا بـ‘‘الأوبرج’’، وحتى سواقي الهدير، إلا أن الفيوم أصبحت الآن بلا سينما.
يرى بعض أهالي المحافظة أن عدم وجود سينما، أزمة كبيرة، في حين يرى البعض الآخر، أنه لا مشكلة في ذلك، وسواء اتفقوا أو اختلفوا، يبقى عدم وجود سينما بالفيوم، أمر له مدلول ثقافي وأدبي.
من جانبه، قال أحمد الجندي، مدير جمعية الرواد بقصر ثقافة الفيوم، إن القصر يمتلك قاعة مخصصة لتكون قاعة سينما، وهى قاعة المسرح، ولاينقصها إلا شاشة عرض، ولكن بسبب الظروف المادية التي نمر بها، لم نستطع حتى أن نكمل تأسيس القاعة.
جمال حسن، مواطن، 30 عامًا، قال إنه من المحزن أن تصبح محافظة كاملة بلا سينما واحدة، وحتى السينمات التى كانت موجودة، لم تكن تعتبر سينمات، حيث كانت الصالات صغيرة، ولا يدخلها إلا مثيري الشغب، ولم يكن فيها مكانًا للعائلات، فيما ترى ولاء محمد، 19 سنة، أنه ليس هناك مشكلة فى إغلاق السينمات، مبررة ذلك بأن الفيوم ينقصها أشياء عديدة أهم من السينما، كالخدمات الصحية، ووسائل المواصلات، ومشكلات التعليم والدروس الخصوصية.
كافيتريا للعشاق
بالحديث عن محافظة قنا، نجد أن كل ما تبقى لها سينما واحدة، تعمل بشكل منتظم، بآلة عرض قديمة، ومعظم مرتادوها من الشباب من الطبقة المتوسطة، كما تشهد السينما إقبالًا من طلبة الجامعة، التي تتواجد بالقرب منها، وتعتبر بالنسبة لمعظم الطلبة مكانًا للمقابلات، ويرجع السبب في ذلك إلى انخفاض قيمة التذكرة، وكثيرًا ما اشتكى الأهالي من أن تصرفات غير لائقة وخادشة للحياء تحدث من قبل هؤلاء الشباب داخل السينما.
وبخلاف السينما المتواجدة بجوار مبنى المحافظة، توجد شاشة عرض على كورنيش النيل بقنا، تعمل كسينما في الأعياد والمناسبات الرسمية.
محمد على، ممثل مسرحي وكاتب، قال: فقدنا رافدًا ثقافيًا مهمًا للتواصل مع الفن السابع، وهو السينما، وإنشاء سينما في الوقت الحالي يعد ضرورة مهمة لرفع الوعي، خاصة بعد إغلاق سينمات قنا ونجع حمادي.
وتمنى محمد ياسر اللبودي، 17 عامًا، طالب، وجود سينما في كل مركز بمحافظة قنا، حتي يستطيع الناس دخولها، كما رفض نوعية الأفلام التي تقدمها السينما، مطالبًا بأن تقدم أفلامًا جديدة وهادفة، كما طالب محمد شمروخ، عضو اتحاد كتاب مصر، بأن تشرف هيئة ثقافية على السينما، تعتمد ما يقدم بها للجمهور، من أجل مادة فنية تحترم ثقافة الشعب وفكره.
المُتنفّس الوحيد
لم يتبق لمحافظة الأقصر سوى سينما ‘‘سيتي مول’’، وتُخصص السينما ركنًا خاصًا للعائلات في يومى الخميس والجمعة، ويأت المخطوبون والمتزوجون بصورة أكبر في باقي أيام الأسبوع. السينما تتكون من قاعتين، لا يوجد بهما تهوية جيدة، وتُغلق السينما أبوابها بداية من شهر يناير وحتى شهر أبريل، وأوضح محمد محمود، عامل بالسينما، أن مدة عرض الفيلم تتوقف على إقبال الجمهور عليه.
ويرى مصطفى محمود، خريج كلية التجارة، أن وجود سينما واحدة على مستوى المحافظة، أدى إلى رفع أسعار التذاكر بها، حيث تزيد عن 20 جنيهًا، وهو ثمن مرتفع بالنسبة لإمكاناتها، في مقابل سينمات مجهزة في المحافظات الأخرى وبأسعار أقل.
الأكثر حظًا
محافظة المنيا، كانت الأكثر حظًا بين نظيراتها، حيث شهدت تطورًا هامًا، بدخول تكنولوجيا البعد الثالث أو الـ3D والـ4D، في سينما ‘‘موال سيتي سكيب’’، بسعر 20 جنيهًا للتذكرة، كما توجد سينما أخرى بالمحافظة، وهي سينما القوات المسلحة، وتعرض الأفلام الحديثة أولًا بأول.
ورغم حُسن حظ المحافظة، إلا أن أهلها لا زالوا يشكون من بعض الأمور، فقالت شيماء المهدي، إن السينمات تعاني من سوء التنظيم، فأحيانًا تكون الأعداد كثيرة، ولا تتاح المشاهدة بشكل مريح، في ظل عدم وجود تنظيم، وينتقد محمد مصطفى، رب أسرة، أسعار السينمات، موضحًا أن اصطحاب أسرته إلى السينما معناه تكلفة لا تقل عن 150 جنيهًا.
السُبكي يكسب
المحافظة الوحيدة التي تواجدت بها إحدى السينمات الشهيرة، وهي سينمات ‘‘رنيسانس’’، على مستوى الصعيد، كانت محافظة أسيوط، وقال رمضان عطية، مدير مجمع سينمات رنيسانس، أن السينما تقوم بتجديد أفلام العرض في مدة تتراوح بين 15 إلى 30 يومًا، ومن الممكن أن تطول مدة عرض الفيلم حسب الإقبال عليه، موضحًا أن فيلم ‘‘قلب الأسد’’، يُعرض منذ عيد الفطر، وحتي الآن.
وأوضح مدير سينمات رينسانس، أنهم حاولوا إدخال بعض الأفلام الأجنبية، لكنها لم تلق قبولًا بين جمهور المحافظة، وأنهم في طريقهم لإدخال الـ3D، مضيفًا أن أفلام ‘‘السبكي’’ تحقق أعلى الإيرادات لديهم.
دون المستوى
لأنها مدينة سياحية، يكثُر عدد السينمات الموجودة بالغردقة، مقارنة بغيرها من محافظات الصعيد، حييث تضم 4 سينمات، إلا أن الإقبال عليهم متوسط وأحيانًا ضعيف، حيث قال إبراهيم علي، أحد العاملين بالسياحة، إن السينما كان لها ‘‘شنة ورنة’’، منذ عدة سنوات، موضحًا أنه لم يدخلها منذ خمس سنوات، لأن الإنترنت أتاح كل ما لم يكن متاحًا، واتفق معه عماد محمود، صاحب بازار سياحي، وأضاف أن الأفلام الجديدة لم تعد على المستوى الذي يدفعه لدخول السينما.
محمد سيد موظف بسينما الغردقة، قال إن السينما تعمل طوال الأسبوع، وتعرض الأفلام الحديثة، موضحًا أن الإقبال يكون من الشباب، بالإضافة إلى السائحين، الذين يدخلون الأفلام الأجنبية.
سياحة سينمائية
سينمات أسوان تشكو من عدم زيارة أهلها، فكل الزوار من السائحين، سواء سياحة داخلية أو أجانب، مما دفع السينمات بها إلى الإغلاق، إلا سينما ‘‘الصداقة’’، وهي أقدم سينما بالمحافظة، أبت أن تغلق أبوابها، رغم قلة الإيرادات، وعدم الإقبال، وأكد المسئول عن إدارة السينما، ناجى عبد القادر، أن إقبال أهالي أسوان على السينما يمثل 10% فقط من جمهورها، وأن إصرار الشركة على مزاولة النشاط السينمائي، يرجع إلى الحفاظ على تاريخ السينما، وعلى لقمة عيش العاملين بها، الذين تكاد رواتبهم تكفيهم.
مع سبق الإصرار
بعد حريق قصر ثقافة بني سويف، توقفت سينما قصر ثقافة ببا عن العمل، بسبب مشكلات بين المقاول المسئول عن تجديد المكان، والهيئة العامة لقصور ثقافة بني سويف، وذكر فتحي أن آخر فيلم عُرض في سينما قصر ثقافة بني سويف، كان عام 2009، لافتًا إلى أن دور السينما الأخرى بالمحافظة، والتي كانت تابعة للقطاع الخاص، وهما سينما الأهلي، وسينما النصر، تعرضتا للهدم منذ أكثر من 15 عاما.
ونفي محمد منير، مدير عام مديرية الثقافة بمحافظة بني سويف، وجود نية لدى المحافظة لإعادة تجديد سينما قصر ثقافة ببا، مؤكدًا على أنه سيتم تغير نشاطها وتحويلها من قاعة سينما إلى قاعة مسرح، لعدم الإقبال عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق