تحقيق / محسن بدر
يبدو أن تداول الأوراق المالية في الخيارات الثنائية قد أدى إلى حدوث انقسام في المجتمع، حيث إنه يعتبر أداة جديدة وغريبة على أسواق الأوراق المالية والسلع والعملات الأجنبية والمؤشرات. ففي حين أن تجارة الفوركس العادي أو تداول الأسهم والسندات لا تتميز بالطابع الخطير الذي يحتاج إلى معرفة أساسية للبدء ولو حتى في أول تعامل فيها، إلا أن تداول الخيارات الإلكترونية هو أمر يختلف عن ذلك تماما، حيث يمكن للجميع الانضمام عبر شبكة الإنترنت إلى الوسيط الإلكتروني والبدء في التداول على الفور حيث لا يتواجد أمام المستثمر هنا إلا خيارين للاختيار بينهما لفترة زمنية محددة. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تتاجر في النفط، فيمكنك اختيار خيار البيع عند هبوط الأسعار في فترة محددة أو اختيار خيار الشراء عند صعود الأسعار في فترة محددة.. هناك وسطاء مثل 24option الذين يوفرون فرصة التداول خلال الأطر الزمنية الصغيرة جدا مثل 5 دقائق. ولذلك فإن مهمتك هي التكهن بسير سعر سوق النفط ارتفاعا أو انخفاضا في غضون الدقائق الـ 5 المقبلة . البداية.. حملة إعلانات مكثفة يخطف بريقها عيون الشباب وعقولهم نحو أحلام الثراء العاجل الذي لا يفصل بينه وبينهم سوى ضربات سريعة فوق لوحة مفاتيح الحاسب تهدم جدار الفقر وتفتح آفاقا حالمة بالثروة والإثراء.. وبخطوات بسيطة يسقط الشباب الواعد في براثن المواقع الإلكترونية لشركات 'الخيارات الثنائية' أو ما يعرف بـ' Binary options' . وبحركات متعجلة يسجل الشاب بياناته كاملة الاسم ورقم الهاتف والعنوان، وقبل أن تفارق أصابعه لوحة مفاتيح الحاسب، يصدح جرس الهاتف برقم دولي، ويأتي صوت المتصل من شركة تداول 'الخيارات الثنائية' مرحبا واعدًا بالمساعدة وتذليل العقبات والتعليم والتدريب وما يلزم من خدمات مجانية.. والمطلوب فقط إيداع مبلغ نقدي لبداية التداول، ولا مانع من أن تكون هذه البداية بحد أدنى مائة دولار، والباب مفتوح على مصراعيه إلى آلاف الدولارات، وكلما زاد الإيداع زادت الوعود والمواعيد بأحلام الثراء القادم !!! والخيارات الثنائية Binary options هي
نوع من الاستثمار، في شراء 'خيار الشراء' أو بيع 'خيار البيع' زوج عملات أو زوج أسهم أو سلع معينة بسعر محدد 'يُعرف باسم سعر التنفيذ' في تاريخ معين 'تاريخ الانتهاء'. وحتى يتسنى شراء الأصول الأساسية أو بيعها، يتم دفع علاوة إصدار مقدمًا لبائع الخيار.. ويعتمد استخدام هذا الحق أو ممارسته علي ظروف السوق وقت انتهاء الخيار.. وتتيح خيارات تداول العملات الأجنبية والأسهم إمكانية تحقيق الأرباح مع ارتفاع قيمة زوج العملات أو انخفاضها. الخيارات الثنائية هى وسيلة من الوسائل التي تجذب بها السوق عملاءها من خلال الاعتماد على الحظ والمخاطرة والقمار، وذلك لأن المستثمر قد تكون نيته انتهاز فرصة سانحة له في نظره وتوقعه لحال السوق في المستقبل فيشتري حق الحصول على الأسهم، أو العملة، أو نحوهما، فقد يتحقق ما كان يصبو إليه فيربح ربحًا كثيرًا، وقد لا يتحقق فيخسر خسارة كبيرة، وقد تكون نية المستثمر حماية نفسه من خسارة متوقعة عن طريق إلقاء المخاطرة على طرف آخر وإلزامه بالشراء عند حصول الضرر بثمن يحميه من الخسارة التي نتجت عن انخفاض الأسعار، لذلك فالاختيارات لا تعتبر من العقود الصحيحة، بل هي باطلة في نظرنا، لعدم وجود مال مخصوص معقودًا عليه. جاء في البيان الختامي لندوة الأسواق المالية: وواضح أن محل العقد هو التزام، أو تعهد مجرد... وسواء سمي التزامًا شخصيًّا يترتب عليه حق شخصي، أو قلنا: إنه حق مال كالدين فإنه لا يجوز العوض عنه، فمحل العقد أو الالتزام تعهد أو التزام من طرف يبيع، أو يشتري، وثمن من الطرف الآخر... وليس محل العقد ـ الشيء المبيع ـ هو الأوراق المالية التي تعهد أحد العاقدين بشرائها أو بيعها، وليس هناك عقد إيجاب وقبول في وقت العقد على البيع أو الشراء، وعلى فرض أن هناك عقدًا على هذا المحل فهو بيع ـ عقد تمليك ـ معلق على شرط... مضاف إلى زمن مستقبل. والخيارات الثنائية تعرف أيضًا بخيارات كل شيء أو لا شيء، أو الخيارات الرقمية، أو خيارات العائد الثابت 'FRO'، كل واحد من هذه الأسماء يشير إلي طبيعة هذه الخيارات إما نعم وإما لا. هذا لأنه توجد هناك نتيجتان محتملتان للخيار الثنائي، كلتاهما يعرفهما المستثمر قبل شراء هذا الخيار، وتكون مهمة المتداول التكهن بسير سعر سوق السلع أو الأسهم ارتفاعا أو انخفاضا، وهو تداول تغلب عليه المراهنة، وهناك العديد من شركات السمسرة علي شبكة الانترنت تقدم 'البونص' وفرص التداول – التي تزعم أنها خالية من المخاطر - والعديد من الأدوات التسويقية الأخري التي تشبه أدوات توفرها الكازينوهات الإلكترونية علي شبكة الانترنت ومواقع الرهان الأخري، وتعترف بعض شركات الخيارات الثنائية التي تحاول أن تتخذ من الإسلام غطاء لممارساتها غير المشروعة أن مثل هذا النوع من التداول حرام إذا تم بخطوات معينة لكنه يكون حلالاً إذا اتبع شروطاً أخري، وعندما تقرأ هذه الشروط لا تجد فرقاً بين عمرو وزيد، وزيد وعمرو !!! وتفتح شركات تداول 'الخيارات الثنائية' أحضانها يومياً لمئات الحالمين الذين يتخبطون بأموالهم بين ما يزيد علي المائتي شركة من هذه الشركات التي تم تسجيل أكثرها في قبرص، ومع كل شركة منها يتعامل ما يزيد علي الألف متداول من أبناء مصر، أكثرهم من الشباب، وهذا يعني أنه إذا خسر كل شاب ألف دولار فقط شهرياً، فإن الفاقد من العملة الصعبة في مصر يصل إلي مائتي مليون دولار شهرياً !!! ومن أحلام الثراء إلي انكسار الخسائر ينعي الشباب أموالهم المفقودة، ويسطرون كلمات الآسي والحزن علي مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات، ويصرخون من كل أعماقهم، يحذرون غيرهم قبل أن يسقط ضحية لشركة من هذه الشركات. الدستور قامت بعمل حوارات مع بعض الشباب عن تجاربهم مع الخيارات الثنائية يقول عمرو ربيع أحد الشباب المتعاملين مع إحدى هذه الشركات إنه حقق 100 دولار ربحا، وهذا ما دفعه للتداول بخمسة آلاف دولار، وكانت النتيجة أنه خسر المبلغ كاملاً في أسبوع واحد، وأكد أنه لا يوجد بديل أمامه سوي الاستمرار معهم لتعويض خسائره.. شركات الوهم كانت الشكوى من الشركة التي تحتل صدارة القائمة في الشركات التي ألحقت خسائر كبيرة بمن تعامل معها،وهى بنك دى بينارى وتليها في قائمة المائتي التي تكررت الشكوى من معاملاتها أيضا شركة تريد رش. ويقول سيد صلاح عيد ، عن تجربته مع شركة تريد رش إنه سقط في خدعة الإعلانات البراقة، واتفق مع قريب له علي تدبير رصيد من المال ليبدأ رحلة الثراء، وسطر في خياله الأماني والأحلام التي تحطمت علي أعتاب بنك بيناري. يقول سيد إنه بدأ رحلته بالتسجيل علي موقع شركة وعقب التسجيل اتصلوا به في الخامسة صباحاً، وتوالت الاتصالات حتي بلغت في اليوم الواحد 7 مكالمات دولية، كلها وعود وأماني بالتدريب والمساعدة، ومن هنا سارع بإيداع مبلغ مائتين وخمسين دولاراً في حسابهم عن طريق ماستر كارد خاص بصديق له، وخلال ساعتين كان المبلغ مفقودا في عدد من العمليات، ولم يجد تدريباً أو مساعدة من المسئول عن متابعته كعميل. وعاد الشاب المسكين ينعي خسارته، ويبحث عن طريق آخر للتعويض، فنصحه أحدهم بالانتقال إلي 'بنك دي بيناري' حيث التداول الآمن والتدريب والاهتمام الجيد حسب دعايتهم، وقام الشاب بالتسجيل في موقعهم.. ليتصل به أحد مسئولي خدمة العملاء ويتعهد بمتابعته.. ثم يختفي فجأة ويتسلم مسئولية المتابعة شخص آخر، وسيظل اسم هذا المسئول في ذاكرة الشاب طوال عمره لأن طعناته ستظل محفورة في عقله وجسده، فقد أحاط مسئول خدمة العملاء نفسه بحلو الكلم ومعسول الكلام، معلناً لكل من يتعاملون معه أن لديه دائماً توصيات رابحة، ومع أول توصية أو ما يسمونها 'Signal' أصيب الشاب بخسائر متلاحقة، وهنا تأكد الشاب أن هذه التوصيات خادعة، فبدأ يسأل مسئول خدمة العملاء عن توصيات، فإذا قال هذه رابحة لا يستخدمها، وإذا قال له هذه خاسرة يقوم بالتعامل عليها، وتكون النتيجة أنه بدأ في تحقيق أرباح بلغت 600 دولار، وبدأت الأحلام تراوده بالعائد القادم، فطلب من الشركة أن تتخذ الإجراءات اللازمة لسحب هذا المبلغ، فطلبوا منه مجموعة مستندات تتكون من: صورة بطاقة الرقم القومي أو جواز سفر، وإيصال استهلاك كهرباء باسمه فقط، ولا يصلح أن يكون الإيصال باسم الأم أو الأب أو شخص آخر، وصورة شخصية، وشهادة من البنك تفيد موافقة صاحب الماستر كارد علي استخدامها، وعندما ابلغهم الشاب بأنه من المستحيل أن يكون لديه إيصال استهلاك كهرباء باسمه، لأنه لم يتجاوز الثانية والعشرين ومن الصعب أن يكون لديه مسكن مملوك له أو مسجل باسمه، فطلبوا منه أي مستند رسمي يحمل أختاماً حكومية يثبت عنوانه. وقام سيد صلاح باستخراج صحيفة أحوال جنائية، ومن الطبيعي أن يكون بها العنوان، وبالفعل، استخرج الشاب الصحيفة وأرسلها لهم فوافقوا علي اعتماده كمستند بديل لما يطلبونه، لكن سرعان ما خرج المسئولون في 'بنك بيناري' بمبررات أخري تمنع سحب المبلغ حيث قالوا للشاب إنك وقعت علي شروط التعاقد، وفيها أنك لا تستطيع السحب قبل استكمال صفقات يبلغ مجموع قيمتها 22 ألف دولار، ولا معني لهذا إلا أن يستمر في اللعب والتداول حتى يحقق المعدل المطلوب، ومن الطبيعي أن يصل إلي مستوي الخسارة ويفقد كل ما حققه من أرباح ويفقد رصيده كاملاً، وتسارعت خطوات الشاب ليحقق الصفقات المطلوبة، لكن كانت الشركة أسرع منه وألحقت به خسائر أتت علي جميع رصيده. وتعلم الشركات جيداً أن أمثال هؤلاء الشباب من العرب لا يجيد أكثرهم اللغة الإنجليزية وبالتالي لا يستطيعون ترجمة العقود التي يتم إرسالها إليهم للتوقيع عليها، وزيادة في تعجيز هؤلاء عن ترجمتها عبر الإنترنت يتم إرسال العقود في شكل صورة لا يمكن نسخ كلماتها وفي لغات تارة إنجليزية وتارة فرنسية، المهم أن تكون بلغة لا يجيد ترجمتها الشباب المغرر به، ومن هنا يوقع الشاب المتعجل للربح، فتكون الخسارة بإرادته وبإقرار منه !! قامت الدستور بمكالمة مسئول خدمة العملاء، وطلبت منه يجيبني عن تساؤلات ستكون موضوعا للتحقيق عن شركات التداول بالخيارات الثنائية وما ينتج عنها من أضرار علي الاقتصاد المصري، وبالفعل تحدث معي هذا المسئول، فطلبت منه الإفادة عما لحق بهذا الشاب من أضرار وما قدمه له من توصيات كانت نتيجتها أنه خسر كل ما أودعه، فقال لي: 'نحن لم نضرب هذا الشاب علي يده كي يدخل معنا في عمليات التداول.. لقد دخل بإرادته وأودع هذا المال' !!!، وأنهي هذا المسئول حديثه بالتأكيد علي أن شركتهم لا تضيع وقتها مع صغار العملاء الذين يتداولون بمبالغ صغيرة، وحسب قوله فإن مبلغ الألف دولار لا يستحق الاهتمام، لكن لم يقل لنا هذا المسئول أنه وشركته قدموا العديد من الإغراءات لعشرات الآلاف من الشباب كي تنزلق أقدامهم، ويضعوا الألف دولار ثم تنتهي اللعبة بالخسارة والندامة. بعد هذا الحوار استمر الشاب سيد في التعامل مع الشركة بما تبقي معه من عشرات الدولارات التي سيخسرها حتما ولن تعود إليه مهما حدث، واستمر في التداول، فكان مسئول خدمة العملاء يرسل له برسائل ساخرة قائلاً 'أنت لسه بتتداول يا فاشل'، 'روح اشتغل سنة كاملة علشان تدبر ألف دولار ثم تأتي لتخسرهم يا فاشل !!".. بعدها توقف الشاب عن التعامل مع الشركة بعد أن فقد كل ما دفعه في هذه المقامرة. استكملت الدستور المغامرة وتركت 'بنك بيناري' وقمت بالتسجيل في موقع إحدى الشركات فاتصل بي مندوب من خدمة العملاء فسألته عن أقل مبلغ يمكنني أن أبدأ به التداول وأقوم بتحويله إلي الشركة، فأجانبي مسرعاً: 'يمكنك أن تبدأ بمائة دولار فقط' وقدم المتصل وعوده بالتدريب وتقديم النصائح والمتابعة وما إلي ذلك من وعود، وكان يظن أنني سأقف في طابور المخدوعين الذين يطعنون اقتصاد بلادهم لتنهمر دماؤه في بنوك الاحتيال. وفى تصريح خاص للدستور قال وائل النحاس المستشار الاقتصادي وخبير الأسواق المالية أن تداول المصريين فى الخيارات الثنائية تعتبر كارثة تهدد الاقتصاد القومي المصري حيث لا يوجد وكيل فى مصر لهذه الشركات وان التداول يتم عن طريق اى بى على النت ومن الممكن أن يتم سرقة هذا الآي بي ويتم سرقة الأموال دون أي محاسبة قانونية موجودة في مصر . ويضيف النحاس ان الشركات العالمية تضمن فقط 25% من رأس المال المتداول علية فقط في هذه الشركات التي تعمل بالخيارات الثنائية , مؤكدا أن أصحاب هذه الشركات تحصل على أموال المتداول وتضارب بـ10% فقط وصاحب الشركة يتحصل على 90% ليعمل بها في مشروعاته الخاصة , وبذلك تتعرض الشركات للخسائر ومن شأنها خسارة المتداول . وأكد المستشار الاقتصادي أن هناك مطالب بصفة رسمية بعمل قوانين تنظم هذه التداولات في مصر، وجعل القوانين مثل قوانين الإمارات . وشبه النحاس أن التداول في هذه الشركات مثل شهادات الإيداع الدولية غير القومية والتي لا يوجد قوانين فى مصر تجعل هذه الشركات تحت سيطرتها وان الشخص الذي يريد استعادة هذه الشهادات يظل بالسنين ليسترجعها وهو أمر في غاية الخطورة . وقال إن هذه المرحلة حساسة في إهدار العملة الصعبة والدولارات من داخل مصر الى خارجها عن طريق هذه الشركات والتي تنصب على عملائها بإعلانات كاذبة غير حقيقية. معركة أمريكية ضد الخيارات الثنائية في الولايات المتحدة.. خاضت هيئات الرقابة الأمريكية معركة مع شركات الخيارات الثنائية في نهاية عام 2012 والنصف الأول من عام 2013، وأصدرت كل من هيئة تداول السلع الآجلة 'CFTC' وهيئة الأوراق المالية والبورصات 'SEC' تحذيرا واضحا حول ما اعتبرته مخاطر مرتبطة بتداول الخيارات الثنائية خارج البورصة 'OTC' حيث رأتها أسلوب تداول غير قانوني بحسب التشريعات الأمريكية، وبذلت هذه الهيئات جهوداً كبيرة لتحذير المستثمرين الأمريكيين ومحاولة دفعهم لتجنب الانخراط في تداول الخيارات الثنائية، وكانت هيئات التنظيم الأمريكية تمتلك صلاحيات تعطيها الحق في الإشارة إلي التجاوزات القانونية المحتملة ووجهت كلا الهيئتين اتهامات إلي عدد من الشركات التي تعمل في مجال الوساطة بالخيارات الثنائية, وكان من الشركات التي تلقت تحذيرات مؤسسة 'بنك دي بيناري' التي كانت تسعي نحو اجتذاب عملاء من الولايات المتحدة متجاوزة للقوانين الأمريكية. ومن هنا قررت مؤسسة 'بنك دي بيناري' إيقاف قبولها لأية عملاء من الولايات المتحدة وذلك كنتيجة مباشرة للاتهامات التي وجهتها إليها الهيئات التنظيمية الأمريكية، وكان عدم قبولها لعملاء أمريكيين مثار تساؤلات حيث يبدو متناقضا بشكل واضح مع الدعاية المكثفة التي كانت تقوم بها الشركة لاجتذاب عملاء أمريكيين, وهو الأمر الذي علي ما يبدو نجحت فيه للدرجة التي لفتت انتباه هيئات الرقابة الأمريكية ودفعتها إلي ملاحقتها قضائيا. وسرعان ما أصبحت 'بنك دي بيناري' متهمة بانتهاك قواعد CFTC لحظر تداول الخيارات خارج البورصة من خلال توفير عقود خيارات السلع للعملاء الأمريكيين, فضلا عن محاولة اجتذاب وقبول وتأكيد تنفيذ أوامر العملاء من الولايات المتحدة. شكوى CFTC اتهمت بنك دي بيناري أيضا بالعمل كتاجر لعمولات العقود الآجلة 'FCM' دون الحصول علي التراخيص اللازمة، وشملت المخالفات والتجاوزات التي رصدتها هيئات التنظيم الأمريكية قيام بنك دي بيناري بتشغيل موقع للتداول علي الويب بنظام الخيارات الثنائية. ورصدت الهيئات الأمريكية عمل بنك دي بيناري خلال الفترة من مايو 2011 إلي مارس 2013 في تشغيل موقع للويب يوفر خدمات التداول عبر الانترنت والتي يتم بموجبها السماح لعملاء الولايات المتحدة بتداول منتجات الخيارات المحظورة من قبل CFTC. ومن خلال موقعها علي الويب, سعت بنك دي بيناري إلي اجتذاب والسماح للعملاء من الولايات المتحدة بشراء وبيع الخيارات والمراهنة علي أسعار القمح والنفط والبلاتين والسكر والبن والذرة وأزواج العملات الأجنبية ومؤشرات الأسهم. شكوى CFTC تضمنت أيضا توجيه اتهام لبنك دي بيناري بالعمل كشركة FCM غير مسجلة في الفترة من يوليو 2011 إلي مارس 2012.. أخيرا فإن الشكوى اتهمت الشركة بعدم قصر توفير منتجاتها علي المشاركين المسموح لهم وذلك من خلال السماح للعملاء من الولايات المتحدة بالتداول دون طلب معلومات عن خبرتهم أو صافي ثروتهم. وحاولت العديد من الشركات العاملة في التداول أن تجد حلولاً تخرج بها بعيدا عن القيود التي وضعتها هيئات الرقابة الأمريكية، لكن لم تصل إلي حل سوي الخروج من السوق الأمريكي، لتجد هذه الشركات ساحة خصبة لأنشطتها في الدول العربية، التي سقط منها عشرات الآلاف من الضحايا، وكانت النتيجة خروج مئات الملايين من العملات الأجنبية من الاقتصاد العربي إلي خزائن هذه الشركات. "السعودية" تحذر في المملكة العربية السعودية، حذر مجمع الفقه الإسلامي في جدة من عقود التداول بالخيارات الثنائية، وأعلن أن هذه العقود محرمة ولا يجوز التعامل بها ونشر موقع إسلام ويب هذا القرار في الفتوى رقم: 167993. وذكر القرار أن.. "حقيقة هذه الخيارات عبارة عن عقد يعطي لحائزه الحق وليس الالتزام في شراء أو بيع كمية محددة من الأصول ـ مالية أو سلعية ـ في تاريخ لاحق في المستقبل بسعر يتم تحديده وقت التعاقد ويطلق عليه سعر التنفيذ أو الممارسة مقابل مبلغ يحصل عليه محرر عقد الاختيار، علي أن يتم تنفيذ العقد في أي وقت خلال المدة فيما بين تاريخ التعاقد وحتى تاريخ انتهاء العقد، أو أن يتم التنفيذ في التاريخ المحدد لانتهاء العقد، وذلك حسب نوع العقد ما إذا كان أمريكياً أو أوروبياً، وهذه العقود باطلة شرعا، وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي أن عقود الخيارات غير جائزة شرعاً، لأن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقا ماليا يجوز الاعتياض عنه، ومثلها عقود المستقبليات والعقد علي المؤشر. والسؤال هنا.. ما هي الخطوات المطلوبة من الحكومة المصرية وحكومات الدول العربية لإيقاف نزيف العملات الأجنبية ومنع شركات تداول الخيارات الثنائية من الاستيلاء علي مئات الملايين من الدولارات؟ الحل الأمثل هو اتخاذ قرار عاجل بحظر المواقع الإلكترونية التابعة لهذه الشركات، ولا يجب أن يقتصر هذا القرار علي مصر وحدها، فالواجب يفرض علينا أن نطالب وزراء الداخلية العرب أن يضعوا توصية بحظر مواقع شركات التداول بالخيارات الثنائية علي مائدة أول اجتماع قادم!! والسؤال الذي يطرح نفسه أيضا.. وما الحل العاجل إذا لم تتخذ السلطات المعنية في مصر والدول العربية الإجراءات المناسبة؟!! في هذه الحالة لا مفر من اللجوء إلي محكمة القضاء الإداري في مصر، وإقامة دعوى عاجلة تطالب بحظر هذه المواقع حماية لاقتصاد البلاد وأمنها القومي، وعلى أن يتم إجراءات مماثلة في دول أخرى. إن الاختيارات بصورها الحالية في البورصات لا نجد لها مبررًا شرعيًّا، ولا تأصيلاً فقهيًّا، بل تصطدم بكثير من قواعد الشرع من حيث وجود المعقود عليه وجودًا حقيقيًّا، أو في الذمة، ومن حيث تسليم واحد من الثمن أو المثمن ـ كما سبق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق