كانت الحارس الذي يطل على القوافل التجارية القادمة لمصر القديمة، جاءها الرحالة ''ابن بطوطة'' فقال عنها ''مدينة رفيعة وذات أسواق بديعة''، احتلت موقًعا مُحببًا لقلوب الملوك، سكنها نائب الملك بعهد الفراعنة، واتخذها الإغريق والرومان عاصمة لأحد أقسام مصر العليا، وجعلها ''محمد علي'' عاصمة لنصف الوجه القبلي. لا أحد يعلم متى تراجع الاهتمام بمحافظة أسيوط والصعيد، متى تحولت إلى مدينة ينادي أهلها السلطات لعمل إصلاحات دون نتيجة، حتى أصبحت أفقر المحافظات المصرية على الإطلاق. أعلن الصندوق الاجتماعي للتنمية في تقريره الأخير عن خريطة الفقر بمصر، أن تركزه الأكبر بمدن الصعيد، فقائمة أفقر عشر محافظات على مستوى الجمهورية، تضمنت التسع محافظات التابعة للوجه القبلي، بالإضافة لشمال سيناء، وأقر الصندوق بأن أسيوط أفقر محافظات الجمهورية، بعد أن ضرب الفقر 94% من قراها البالغ عددها 220، بينما نسبة السكان الفقراء بلغت 61% من تعدادها الكلي. لم يتعجب ''محمد قطب'' مدرس التربية الرياضية الأسيوطي، لدى معرفة الخبر ''محافظات الصعيد كلها مهمشة دي حاجة مش جديدة علينا''، على مدار الأنظمة المتعاقبة كانت المحافظة تحصل على وعود الاهتمام بها اسمًا لا فعلًا ''أسيوط مفهاش موارد زي المحافظات التانية، يعني مفيهاش سياحة زي أسوان ولا زراعة زي المنيا فحالها أصعب''. مركز ''ديروط'' حيث يقطن المدرس الثلاثيني وأسرته أفضل حالًا من القرى ''احنا نعتبر في البندر، أما الريف عندنا مفهوش أي خدمات حتى المدارس بعيدة عن القرى وبيبقى فيه خطر على الطلبة''، يصف ''قطب'' محافظته بأنها ''طاردة للسكان لأن مفيهاش مقومات الحياة الرئيسية''، أثرت الحالة الاقتصادية على التعليم بشكل أساسي ''عندنا تسرب في التعليم بشكل كبير لأن فيه طلبة بتسافر مع آباءها القاهرة يشتغلوا وييجوا على الامتحانات بينجحوا بالغش أو بأي طريقة بس مبيتعلموش''، عندما يحصل الطالب على الشهادة الأساسية يفر إلى القاهرة أو الإسكندرية ولا يعود إلا نادرًا. مساحات شاسعة من المحافظة غير مُستغلة على حد قول مدرس التربية الرياضية ''عندنا الظهير الصحراوي، دة ممكن يتزرع ودي أراضي ملك الدولة بدل ما الشباب يخرج برة''، أما مشروعات الإسكان فلم تكتمل حتى الآن، فمشروع مساكن أسيوط الجديدة، تم البدء فيه بعهد الرئيس المخلوع ''محمد حسني مبارك''، ولم يتم تسكين المواطنين فيه بالكامل ''المساكن أجزاء منها فاضية كتيرة طب ما يودوا الناس ليها بدل الكثافة العالية الموجودة''. ''الأمن عندنا في أجازة''، ذلك أكثر ما يؤرق الأب لثلاثة أبناء، لا يمر يوم دون تبادل إطلاق النيران بالمنطقة ''والوضع جوة القرى أسوأ بكتير''، بين الثأر القبلي، انتشار البلطجة والسرقات وقطع الطرق ''الطريق الصحراوي بتاع القاهرة أسيوط محدش بيجرؤ عندنا يطلع عليه بعد المغرب''، عدم توفر الأمن يعزز تراجع الانتعاش الاقتصادي بالمحافظة ''لما ابقى عايز أعمل محل مش هعمل في الظروف الأمنية السيئة وهمشي أروح مكان أكثر أمان''، وكذلك يفر منها الأبناء والاستثمارات المحتملة والسياحة. ''موقع أسيوط الجغرافي كمفترق للطريق جعلها غير مستقرة اقتصاديًا''، قال المؤرخ ''عاصم الدسوقي''، حيث أكد أنه منذ عهد الرئيس الراحل ''جمال عبد الناصر'' لا توجد سياسات واضحة لإصلاح الصعيد، بسبب ابتعادها عن المدن المركزية. ''أسيوط''، التي اشتق اسمها من اللفظ الفرعوني ''سوت''، ومعناه الحارس، كانت على مر العصور مدينة لاستقبال القوافل التجارية، منها يبدأ أهم طريق القوافل القديمة التي تربط مصر بالسودان عن طريق درب الأربعين. بدأت تعمر بالسكان مع الفتح الإسلامي لمصر، وكان الأقباط حينذاك يسكنونها، فنزح عدد كبير منهم جهة الغرب، حتى عادوا مرة أخرى مع الهجرات العربية القادمة من بلاد المغرب التي اصطدمت بهم أثناء دخولها مصر في عهد الفاطميين، على حد قول ''الدسوقي''.
دعاء الفولى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق