كانت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي تعلم بوجود عدد 100 موقع بمحطات مياه الشرب بمحافظة أسيوط تحتاج إلى تركيب منظومة تسمى منظومة " الكلور " ، لكن حتى يستفيد الفاسدون من وراء تنفيذ هذه العملية تم السماح لشركة مياه الشرب بمحافظة أسيوط بطرح و توريد وتركيب منظومة كلور لعدد لا يتجاوز نصف عدد المواقع المذكورة في مناقصة محدودة ، تقدم لها ثلاث عطاء ات ، هي العطاء رقم 3/1 مقدم من الجمعية التعاونية لإنشاء والتعمير بالقوصية بمبلغ 95500 جنيه للموقع الواحد ، والعطاء رقم 3/2 مقدم من شركة ريمكو للمقاولات بمبلغ 107000 جنيه للوقع الواحد ،والعطاء رقم 3/3 مقدم من الجمعية التعاونية للإنشاء والتعمير بأسيوط بمبلغ 89800 جنيه للموقع الواحد.
وتم ترسية العملية على العطاء رقم 3/3 باسم الجمعية التعاونية للإنشاء والتعمير بأسيوط بمبلغ 89800 جنيه للموقع الواحد بواقع مبلغ إجمالي قدره 4.49 مليون جنيه على أساس أنه العطاء الأقل سعرا ، وتمت الموافقة من مجلس إدارة شركة مياه الشرب والصرف الصحي ، ثم اتضح من الحساب الختامي للعملية أن شركة مياه الشرب قامت بصرف نحو 11.84 مليون جنيه عن جملة الأعمال المنفذة بزيادة قدرها 8.35 مليون جنيه وبنسبة زيادة قدرها 264% .
بعدها قامت شركة مياه الشرب بأسيوط بزيادة الأعمال للمقاول لعدد 43 موقع آخرين بقيمة 3.9 مليون جنيه دون الانتظار حتى انتهاء المرحلة الأولى والتي في ضوءها يتم تقييم عمل المقاول قبل إسناد أية أعمال إضافية إليه ، وكان ينبغي على الشركة طرح العملية بالكامل في مناقصة عامة بدلا من ترسية جزء منها على المقاول المذكور في مناقصة محدودة ثم إسناد باقي الأعمال إليه بعد فوزه بالمناقصة المحدودة ، الأمر الذي يستوجب تحديد المسئولية في هذا الشأن لاسيما وأن قيادات الشركة القابضة لمياه الشرب وشركة مياه الشرب بأسيوط يعلمون مسبقا عدد المواقع التي تتطلب تركيب منظومة الكلور ، فالكل مدان في هذا الشأن ، ودليل الإدانة المذكرة المرفوعة من رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب بأسيوط وعضو ها المنتدب إلى نائب رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والتي يفيد فيها أنه " في أمس الحاجة لبعض المشروعات ومنها عملية توريد وتركيب أنظمة كلور لعدد 100 موقع " الكارثة الحقيقية في هذه العملية مخالفة الموصفات الفنية ، حيث تضمنت توريد أسطوانات كلور ألماني، غير أن المقاول قام بتوريد الصنف الصيني ، حيث خاطب شركة مياه الشرب بعدم وجود الصنف الألماني وأن الموجود بالسوق هو الصنف الصيني والبولندي ، وقد وافقت شركة مياه الشرب على الصنف الصيني بسعر يقل عن المناقصة 750 جنيه للأسطوانة دون توضيح الأساس الذي بني عليه التخفيض حيث أن تخفيض السعر بناء على سعر الأسطوانة البولندي وليس الألماني كما جاء بالمواصفات المطلوبة ، ورغم معرفتها بمخالفة خطاب المقاول لتقرير شركة النصر للكلور والذي يفيد " أن الأسطوانات الألماني متداولة في السوق " ، الأمر الذي يشير إلى اشتراك كلا من المقاول وشركة مياه الشرب في جريمة نصب بهدف نهب المال العام ومقدرات مشروعات مياه الشرب .
وحدث تلاعب بين المقاول وبين شركة مياه الشرب في عمليات تركيب المواسير بالمواقع ، فيما يتعلق بالأسعار والعدد ، فمن ناحية التلاعب في الأسعار فقد اتفقت شركة مياه الشرب مع المقاول على تركيب مواسير حديد مجلفن 10 بوصة لا يقل سمك الماسورة عن 6 مم ، وبسعر 1000 جنيه للمتر الواحد ، في حين أن السعر الحقيقي للمتر مواسير حديد مجلفن قطر 10 مم هو 600 جنيه فقط طبقا لتقدير شركة مياه الشرب نفسها في عملية إحلال وتجديد خطوط الإسبتسوس بمنطقة ساحل سليم ، الأمر الذي أدى إلى زيادة تكلفة هذا البند بواقع 400 جنيه عن كل متر من مواسير الحديد المجلفن .
أما من ناحية التلاعب في عدد المواسير ، فطبقا للمقايسات فإن كمية المواسير المطلوبة من الحديد المجلفن 10 بوصة نحو 40 ماسورة لكل موقع بإجمالي نحو 3720 ماسورة لعدد 93 موقع بإجمالي سعر 3.720 مليون جنيه، في حين أن المقاول قام بتركيب عدد 7435 ماسورة على الطبيعة بإجمالي سعر 7.435 مليون جنيه بفارق قدره 3.715 مليون جنيه أي أن بنسبة الزيادة في عدد المواسير بلغت 100% ، وهذه الزيادة في عدد المواسير المركبة بالمواقع إن دلت على شيء فإنها لا تدل إلا على عشوائية المقايسات التي تقوم بها شركة مياه الشرب . وثمة مخالفة أخرى لبنود مواسير " 6 ، 10" بوصة ، ومحابس الزهر المرن " ص ع PN " قطر 10 ، حيث تضمن التعاقد اشتراط أن تكون المواسير والمحابس من إنتاج شركة النصر للمسبوكات مع تقديم فاتورة الشركة ، أو أن تكون من أي مصدر أخر مع تقديم شهادة معتمدة من الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي ، لكن المقاول ضرب بهذا الشرط عرض الحائط ولم يقم بتقديم فواتير للمواسير والمحابس الموردة بل قام بتقديم شهادة اختبار للمواسير والمحابس صادرة من الجمعية التعاونية لأعمال الشئون والمراجعة وليست من الهيئة القومية لمياه الشرب كما اشترط التعاقد ، حتى أن شهادة الاختبار المقدمة لمواسير 10 بوصة قالت " أن العينة من أصل كمية 5000 ماسورة " في حين ماتم تنفيذية بالطبيعة 7435 ماسورة ، وهذا الأمر إما أن يشير إلى أن شهادة الاختبار المقدمة شهادة مضروبة ،وإما أن يشير إلى أن المقاول لم ينفذ على الطبيعة سوى 5 آلاف ماسورة وليس 7 آلاف و 435 ماسورة ليكون هناك نحو 2435 ماسورة تم لهفها من المقاول ، وكلا الحالتين تمثل فضيحة من العيار الثقيل للمقاول منفذ العملية وفضيحة لشركة مياه الشرب لتسترها على المقاول .
والشيء غير المتوقع أن يكون أعضاء لجنة الإشراف على تنفيذ الأعمال بالمواقع جزء من الفساد الذي حدث في تنفيذ الأعمال ، فلك أن تتعجب إذا علمت أنه في اليوم الذي قامت هيئة الإشراف بتسليم المقاول 35 موقع من الموقع المراد تنفيذ منظومة الكلور بها اعتمدت للمقاول دفعة مالية رقم "1 " عن أعمال التشوينات بالمواقع تقدر بنحو 112500جنيه ، الأمر الذي يشير إلى أن التشوينات التي تم الصرف عليها مشكوك في صحتها فكيف يتم التشوين لتلك العمليات في تاريخ استلامها . والأكثر عجبا من هذا ، أنه صدر أمر إسناد للمقاول لعدد 50 موقع قبل موافقة مجلس الإدارة بنحو 8 أيام ، كما صدر أمر شغل رقم "2 " للأعمال الإضافية للمواسير بمبلغ 3.5 مليون جنيه وتبين صرف دفعات من هذا المبلغ في تاريخ سابق على صدور أمر الشغل ، ورغم ذلك لم يقم المقاول بتنفيذ الأعمال في المواعيد المحددة رغم أن الأعمال تتطلب سرعة التنفيذ حسب مخاطبات شركة مياه الشرب بأسيوط لشركة القابضة لمياه الشرب بخصوص الحاجة لمنظومة الكلور في 100 موقع ، ومع ذلك لم يتم فرض غرامات تأخير على المقاول .
وفي نهاية المطاف جاء تقرير اللجنة المشكلة من الشركة القابضة لمياه الشرب يثبت مخالفات موصفات ، ومخالفات سوء مصنوعية ، ومخالفات صناعية ، في الأعمال المنفذة بمواقع محطات مياه الشرب المسندة للمقاول " الجمعية التعاونية للإنشاء والتعمير " تتجاوز قيمتها نحو 1.683 مليون جنيه ، ورغم هذا قامت شركة مياه الشرب باستلام المواقع من المقاول دون النظر إلى ما بها من مخالفات فنية وصناعية ، الأمر الذي يستوجب تحديد المسئولية في هذا الشأن ومحاسبة المتورطين في هذه الكارثة من كل الأطراف . ولفت تقرير لجنة الشركة القابضة أيضا إلى " سوء تشغيل منظومات الكلور من قبل العاملين بمحطات مياه الآبار الجوفية المركب بها المنظومات ، الأمر الذي مما إلى إتلاف بعض مكونات هذه المنظومات وعدم تشغيلها بالكفاءة المطلوبة نظرا لعدم تدريب العاملين على أسلوب التشغيل الأمثل لهذه المنظومات " وهذا الأمر يستوجب محاسبة المسئولين في هذا الشأن لما فيه من إهدار للمال العام .
وأخر ما يتوقعه المتوقعون أنه " تم إلغاء منظومة الكلور بمحطة مياه الآبار الجوفية بمنقباد لوجود أمبيا حية بالمياه الجوفية، فضلا عن عدم الاستفادة من أكثر من 10 منظومات كلور بمحطات الآبار الجوفية " الأمر الذي يشير إلى عدم تجربة الآبار واختبارها قبل تركيب منظومات الكلور بها .
عبد الهادى أبو طالب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق