لم يسلم التاريخ أو الثقافة، من أيدي مافيا العقارات والمستثمرين، فبعد الارتفاع الجنوني الذي شهدته أسعار العقارات، خاصة في محافظة أسيوط التي يتم تصنيفها من بين أكثر بلدان العالم ارتفاعًا في أسعار العقارات، اتجه رجال الأعمال والمستثمرين إلى شراء «المنازل القديمة، والقصور التاريخية، والمدارس، ودور العرض، وتحويلها إلى أبراج سكنية ومولات تجارية، للاستفادة منها على حساب التاريخ والثقافة.
وبعد صراع طويل خلت محافظة أسيوط من دور العرض السينمائي، بعد بيع معظمها ليحل محلها الأبراج السكنية، رغم أثرية بعضها، حيث أن العديد من دور العرض بمحافظة أسيوط يعود إلى الاحتلال الإنجليزي.
ففي شارع الجلاء بمدينة القوصية بأسيوط، تقع «سينما النصر»، في أكبر الميادين الرئيسية وأطلق عليه ميدان السينما نسبة لـ«سينما النصر»، وتُعد من أعرق وأقدم دور العرض في أسيوط، ويعود بنائها إلى عام 1956، حيث كانت تخضع إلى وزارة الثقافة حتى قامت العائلة المالكة للأرض بتحويلها إلى مول تجاري؛ لأنها لم تجلب عائد مادي.
«النصر من أقدم السينمات بالمحافظة»، هكذا بدأ محمد أحمد، أحد سكان شارع الجلاء حديثه، مشيرًا إلى أنها تعود إلى حقبة الاحتلال الإنجليزي -بحسب ما ذكره أجدادنا- وكانت مركز ونشاط ثقافي وترفيهي لأبناء قرى ومركز القوصية، مؤكدًا أنها أغلقت عام 1990 على يد الجماعات الاسلامية، وتم إغلاقها منذ أربع سنوات بعد أن قام أصحابها بإيقاف نشاطها وتحويلها إلى مركز تجاري.
وفي مركز ديروط، تجد «سينما القرشية» التي كانت تمتلكها عائلة القرشية بديروط، ويصل عمرها إلى أكثر من 50 عامًا، فتم إغلاقها منذ نحو 10 سنوات، واستمر تأجيرها كصالات أفراح حتى العامين الماضيين، ثم تم بيعها منذ عام ونصف تقريبا لـ«فتحي .ا» تاجر عقارات.
أما «سينما مصر» أو كما كان يطلق عليها «السينما الصيفي»، التي تقع في شارع 23 يوليو بمدينة أسيوط، تعد من أقدم دور السينما وأعرقها في المحافظة، أنشأت في عهد الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، وأغلقت منذ أكثر من 10 سنوات بعد بيعها لمستثمرين، نظرًا إلى ملكيتها لإحدى عائلات المحافظة، وأقيم بدلًا منها برج سكني لا يزال تحت التجهيز، وأغلقت لعدم وجود أي عائد.
فيما يجرى حاليًا هدم سينما «رينسانس أسيوط» في نفس الشارع 23 يوليو، وهي أكبر دار عرض في أسيوط، تمهيدًا لتحويلها إلى عقار استثماري بعد أن كانت المتنفس الوحيد لأهالي أسيوط في الأعياد والمواسم الرسمية وهي من أهم الأماكن السياحية الداخلية في أسيوط، وكانت تشهد إقبالًا كبيرًا، كما شهدت سينما رينيسانس العديد من الوقفات الاحتجاجية من قبل لمنع أمر الهدم.
وأكد حسن عبد الراضي، موظف، أن الثقافة والتاريخ لم يسلما من جشع المستثمرين ومافيا العقارات، فبعد الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات بأسيوط ونظر المالكين إلى التربح وليس النظر إلى الترفيهة أو نشر الثقافة ومع ارتفاع سعر متر الأرض في شارع المحطة التي توجد بها «سينما رنيسانس» أكثر من 50 ألف جنيه، للمتر الواحد ما دفع ملاك السينما لهدمها وتحويلها إلى عمل تجاري أو بنائي بغرض التربح.
ويقول علي عدلي، أحد المالكين الجدد لـ«سينما رنيسانس»، أنه اشترى السينما من الفنانة، إسعاد يونس، وهي ملكية خاصة له ولا تخضع إلى أي وزارة، وأن من حقة حرية التصرف في المبنى والأرض وهدمهم، بعد أن كانت السينما لا تجلب الأرباح المطلوبة، لافتًا إلى أن العقار الموجود به السينما غير أثري ولم يتم حصره في المباني التاريخية ذات التراث المعماري.
وأضاف عبد العال زهران، مدير فرع ثقافة أسيوط، أن هدم «سينما رنيسانس» مؤخرًا، وهدم 3 أخرين من قبل هو بمثابة حرمان أهالي أسيوط من النشاط الثقافي وتقع «سينما رنيسانس» تحت الملكية الخاصة للمالك وليس تحت إشراف وزارة الثقافة ولا يحق لأي جهة الاعتراض على بيعها أو هدمها؛ لأنها لا تمت للوزارة بأي صلة.
وناشد «زهران» وزارة الثقافة والمحافظة بدعم دار العرض السينمائي بقصر الثقافة، بعد عمل مبادرة باستقبال جمهور السينما، نظرًا لوجود سينما شتوية وأخرى صيفية والأخيرة تتسع لـ297 فردا كونها مفتوحة، أما المسرح الشتوى فيستقبل 441 ويقام عادة به الحفلات ويمكن أن تعملا معا بالتوازي في الوقت نفسه ولكن ينقصها شاشات العرض.
سحر فاروق الحمدانى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق