لا يُمكن وصف ما تراه فى عيونهم، وما تحمله تلك البراءة من هم وحزن، لا تستطيع أن تمنع دموعك أمام عجزهم وقلة حيلتهم، ولا يمكن أن تجد وصف لأجسادهم النحيلة.. تلك الأنامل الصغيرة التى خُلقت لتلهو فى هذه الفترة بألعاب الأطفال المختلفة، تلك الأنامل الرقيقة أصبحت تعمل على ماكينات الخراطة.. الكفوف الرقيقة تقف فى إشارات المرور لبيع المناديل وتلميع السيارات.. إنهم براعم ضحوا بطفولتهم للإنفاق على أسرهم، وتحمّلوا فوق طاقتهم، ليأخذوا ببراعة دور الآباء.
أحمد جابر - طفل عُمره 15 عاما - وُلد بإعاقة فى يده وإحدى قدميه، هو الابن الأكبر لأب يعمل باليومية فى أحد المقاهى الصغيرة، ووالدته ربة منزل، تربى 5 من أشقائه، عندما أصبح عمره 6 سنوات، بدأ العمل فى إحدى ورش الخراطة، وبالتالى لم يستطع أحمد استكمال دراسته.
قال أحمد: "ولدت فى أسرة فقيرة، تعيش فى منطقة غرب البلد بمدينة أسيوط، وهى إحدى المناطق التى سقطت من حسابات المسئولين بالمحافظة، سكانها الأكثر فقرًا بالمحافظة، والدى يحصل من المقهى على عدة جنيهات يوميًا لا تكفى أسرتنا، والدى يعمل أيام فيما لا يعمل شهور.
ونظرًا لتلك الظروف تكفلت بمصروفات أشقائى الـ5 الإناث والذكور، عن طريق عملى بإحدى ورش الخراطة بمنطقة غرب البلد، ولم تمنعنى الإعاقة من العمل، حيث تعجز يدى وقدمى عن العمل، لكن أحاول جاهدًا الحصول على جنيهات أعود بها إلى والدتى ربة المنزل وأشقائى الصغار. وأدعو الله أن يرزقنى من أجل والدتى ووالدى وأشقائى.
عبد الله سيد – عُمره 10 سنوات - يعمل بإحدى ورش الخراطة، لديه 3 شقيقات بنات، هو "آخر العنقود".. قال عبدالله: أنجبت والدتى 3 بنات أكبر منى، وبدأت جدتى "أم أبى" فى معايرتها لإنجابها إناث فقط، وظلت أمى تعانى، حتى حملت بى، وأتمت حملها وبعد إنجابى أصيبت أمى بحالة نفسية سيئة جدًا، تسببت فى إصابتها بانتكاسة، وتم احتجازها بمستشفى الصحة النفسية لفترة، وكان يعمل أبى كأحد عمال اليومية، حتى أصيب بالربو، وظل بالمستشفى لفترة طويلة.
ويُكمل عبد الله قائلاً: بسبب مرض والدى، ترك لى مسئولية شقيقاتى، حتى أكملت عامى الخامس، قررت أن أعمل بإحدى ورش الخراطة والميكانيكا، وأعود آخر اليوم بعدد من الجنيهات، تقوم شقيقتى الكبرى – عُمرها 17 سنة - بتقسيمها طبقا لاحتياجات المنزل، ما بين أمى المريضة، ووالدى الذى يعانى من ربو شديد بالصدر، ومتطلبات شقيقاتى الثلاث وهن أعمارهن 17 و15 و12 عاما.
وتابع: خرجتُ فى يوم كعادتى للعمل، وأثناء تواجدى بورشة الخراطة، أصابتنى إحدى ماكينات الورشة ببتر أصابع كف يدى اليمنى، وجلست بالمنزل لفترة، لكننى لم أستسلم، وقررت تحدى الظروف، وأنزل مرة ثانية للعمل، ولازلت أعيش بالأمل أن يساعدنى الله فى تجهيز شقيقاتى وعلاج والدتى ووالدى المريضين.
مصطفى محمود – عُمره 10 سنوات - بيع المناديل لديه يمثل عملاً شريفاً ينفق منه على أسرته، توفى والده تاركاً 3 من الأبناء، مصطفى أكبرهم، يذهب مصطفى كل يوم لمدرسته القريبة من منزلهم، وبعد انتهاء اليوم الدراسى، يبيع مناديل على الرصيف، بدلاً من مد يديه للغير.
يقول مصطفى: "توفى والدى وأنا عمرى 7 سنوات، تاركا لى والدتى، و2 أخوات، بنت عمرها 5 سنوات، وولد عمره عامين، وتحملت مسئولية أشقائى بعد وفاة والدى، وبدأت أبحث عن عمل، لكن لصغر سنى وارتباطى بدراستى التى أعشقها، لم أجد عمل سوى بيع المناديل، وأتمنى أن يوفقنى الله وأفيد نفسى ووالدتى والمجتمع، ويجلس بجوارى شقيقى الأصغر لبيع المناديل، حتى تغيب الشمس، ونحن على هذا الحال منذ 3 سنوات، و لدىّ أمل كبير فى تحقيق أحلامى، والنجاح فى دراستى.
ضحا صالح
احمد مصطفى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق