ضابط برتبة مقاتل لم يهب الموت لحظة وفى أصعب وأحلك الظروف كان حاملا روحه على يده. لم يهتز عندما رأى زميليه ورفيقى الدرب يسقطان شهيدين فى مطاردة أحد الخارجين على القانون منذ نحو 4 سنوات، وإنما كان دائم الدعاء لهما والترحم عليهما معلنا عن شوقه للقائهما فى الجنة، إنه الرائد مصطفى حمدون الضابط بقطاع الأمن المركزى بمديرية أمن أسيوط الذى اغتالته يد الغدر عندما كان فى مأمورية لضبط أحد الخارجين على القانون ليسقط شهيدا متأثرا بإصابته وتاركا فراغا كبيرا بين زملائه وطفلين أكبرهما 3 سنوات.
يقول عنه معتز رفعت، أحد أبناء قريته: لقد ترك الشهيد بصمة كبيرة وجرحا عميقا عند كل من عرفه وتعامل معه، ومنذ مقتل زميليه فى مواجهة مع الخارجين على القانون بقرية عرب الكلابات انخرط الشهيد الرائد مصطفى فى هذا اليوم فى نوبة من البكاء الهستيرى ناعيا زميليه اللذين ماتا برصاص الغدر، قائلا: «إيه ذنبهم عادل وأحمد دول مكنش بيفوتهم فرض وهاهم يلاقيان ربهما شهيدين»، ويتوقف عن البكاء داعيا ربه، «ربنا يجمعنى بيهم فى الجنة زى ما كانا معى دائما على الحلوة والمرة وبعد استشهادهما». ولم يكن يتخيل الشهيد مصطفى وهو يتحدث عن زميليه أن المصير نفسه ينتظره وأنه سيلحق برفيقيه، وفى نفس المكان، ليسطر الجميع ملحمة وطنية فى التضحية بالنفس من أجل الوطن تاركا زوجة شابة وطفلين، محمد 3 أعوام وأحمد عام، للمجهول ولقد كان مؤدبا خدوما ولم يتأخر عن طلب لأبناء القرية.
ويضيف بسام يحيي، صديقه، بأنه يعرف مصطفى حمدون منذ قدوم والده الموظف بالزراعة من محافظته، سوهاج، ليستقر به المقام فى قرية أم القصور التابعة لمركز منفلوط ليقضى فيه حياته حتى تخرج فى كلية الشرطة والتحق بالأمن المركزي، وكان محبا لجميع جيرانه متعاونا. ومنذ أربع سنوات قام باستئجار شقة بمدينة أسيوط حيث تم زفافه لينجب طفلين أحمد ومحمد وظل يتواصل معنا ولم ينقطع عنا مشاركا جميع أصدقائه أحزانهم وأفراحهم حتى اغتالته يد الغدر، و«نحتسبه عند الله شهيدا».
وأضاف بسام قوله: «منذ أن عرفته لم أجد فيه سوى التواضع ودماثة الخلق وكانت الابتسامة لا تفارقه أبدا وقد ترك فراغا كبيرا لرحيله ولقد تمنى الشهادة وقد نالها». ويضيف: «أتذكر عندما قام بلطجية مسلحون بقطع الطريق الصحراوى الغربى فور فض اعتصام رابعة عند المنيا واحتجزوا عشرات السيارات طلبا للإتاوات واحتجزوا بعض السيدات فى الكمين للتهديد بهن، وكنت أنا والشهيد وصديق آخر عائدين من القاهرة، فقام الشهيد بمفرده بمهاجمتهم وإطلاق الرصاص عليهم حتى ولوا هاربين وتم تحرير كل المحتجزين فقلت له كان ممكن تموت، فرد على قائلا: أنا لو مراتى أو أختى فى المشهد ده وتركتها أنا أموت أحسن»، يتوقف بسام ذارفا الدمع ثم يقول:«مصطفى عمره ما كره أحد أو زعل منه أحد سواء جيرانه أو زملائه».
وقال شقيقه محمد:»إن مصطفى كان دائما يتمنى الشهادة منذ التحق بالشرطة وكلما سمع بوفاة شهيد كان يتأثر به ويدعو له ويحتسبه عند الله ويدعو الله أن يلحقه به فى الجنة، وهاهو يموت وهو يدافع عن بلده ضد الخارجين على القانون».
وأضاف محمد أن شقيقه كان دائما ما يحكى له عن الصعوبات التى يواجهها وزملاؤه فى عملهم وأن الموت كان يحيط بهم من كل جانب وإنه رأى الموت بعينه أكثر من مرة ولكن الله كان يكتب له النجاة. ويروى أحد المجندين اللحظات الأخيرة فى حياة الشهيد قائلا: المأمورية كان سيخرج فيها أحد الضباط غير الشهيد ولظرف طارئ قام بالاعتذار عنها، وتم إبلاغ الشهيد فاستعد على الفور، وتم التحرك فى المأمورية وبدأنا فى اقتحام المنزل المستهدف لضبط متهمين لحيازتهم الأسلحة والذخيرة إلا انه استشهد أثناء الاقتحام.
حمادة السعيد
وائل سمير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق