على مدار 29 عاما، لا يزال حلم الهجرة يراود «عصام عبد الحليم»، بسبب التهميش وانعدام الخدمات وضيق المعيشة بقريته الصغيرة التى يقطنها نحو 1300 أسرة، كحال شقيقاتها من القرى الأخرى التى لم يجد سكانها مفرا منها «أموات أحياء»، لا صوت لهم الآن، بعدما كثرت شكواهم دون مجيب.
«اليوم الجديد»، يتجول بـ15 قرية لم تطأها قدم المحافظين على مر التاريخ، مساكنها أصبحت كالقبور بعدما تسلمها لأهالى النازحين من سيول 1994، فى الظهير الصحراوى بعدد من المراكز المختلفة، لم يطمع سكان تلك القرى فى الكثير، أقصى أمنياتهم، أن تصل إليهم مياه الشرب بلا انقطاع ووحدة صحية والسماح لهم بتعديل المنازل التى تحظر الدولة أى تعديل فيها، والتى أصبحت كالقبور أوشكت على الانهيار فوق ساكنيها.
نبدأها بمنازل السيول بقرية النواورة، والتى يبلغ تعداد سكانها نحو 1245 أسرة، تسلمت تلك الأسر المنازل إبان سيول 1994 التى ضربت المحافظة وراح ضحيتها المئات من القتلى والمفقودين، تبعد قرية السيول عن القرية الأم أكثر من 8 كيلومترات فى الظهير الصحراوى للقرية، المياه بالكاد تصل إليهم بعد 12 ليلاً والكهرباء أعمدتها بلا إضاءة، والخدمات الصحية منعدمة، حيث أقرب وحدة صحية تبعد نحو 10 كيلوامترات، بلا مواصلات، رغم انتشار الزواحف السامة بكثافة نظرا لطبيعة المكان الصحراوية.
يقول حسين محمد على، أحد سكان القرية، منذ 25 عاما أسكن فى هذا المنزل المتهالك المكون من غرفتين وصالة وحمام ومطبخ، من طابق واحد بلا أعمدة خرسانية، الذى وهبته لى الدولة عقب سيول 1994، ومنذ ذلك الوقت ولا أستطيع عمل أى صيانة على المنزل رغم تصدعه بالكامل وبات آيلا للسقوط، تقدمت بالعديد من الشكاوى إلى اللواء إبراهيم حماد محافظ أسيوط الأسبق واللواء نبيل العزبى وأحمد همام عطية، والوحدة المحلية ومجلس المدينة لكن دون جدوى، وأسرتى أصبحت 10 فراد والمكان لا يسعنا، هنروح فين لا ينفع نعمل صيانة للبيت علشان نستفيد بطابق تانى علوى ولا نهدمه ونبنيه من جديد، وكل ما أقدم شكوى للوحدة تقولى دى هبة من الدولة لا يجوز تعديلها أو صيانتها.
وتابع، عبدالعال محمدين «هنروح فين مفيش مفر من المكان ده، مفيش حتى محافظ عبرنا أو فكر يزورنا من وقت ما جابونا هنا، السيول بهدلتنا وهدمت منازلنا، لكن إحنا هنا مدفونين»، تتساقط دموعه ويستكمل، «عندى كوم لحم وبنام فوق بعض، إبنى مات من 5 سنين علشان ملحقتهوش لما لدغته عقربه»، شاكيا بعد الوحدة الصحية عنهم، والانقطاع الدائم لمياه الشرب «حتى المياه لما بتيجى بعد 12 بالليل بتبقى مالحه ومليانه طين».
وأضاف، عصام عبد الحليم، من زمان بفكر فى الهجرة من المكان ده لكن هروح فين، أنا مريض بالفشل الكلوى وبغسل كل إسبوع، معبرا عن استيائه من تدنى مستوى الخدمة بالقرى التى أهدتهم إياها الدولة قبل 25 عاما، والتى تحتاج إلى مزيد من الخدمات والصيانة قبل أن تنهار فوق رؤسهم.
لم يختلف الحال كثيرا فى قرى التضامن وعرب مطير والكوم الأحمر ودرنة وعزبة باشا والزهرى والعتمانية وعزبة يوسف ونجع الجزيرة والترعة العمياء والعونه واللوقا، وغيرها الكثير من القرى التى تحتاج إلى مزيد من الاهتمام من قبل مسئولى المحافظة، وإدراج تلك القرى ضمن مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى «حياة كريمة»، التى أطلقها خصيصا لتحسين البنية التحتية وتوفير بيئة مناسبة للمواطنين من سكان تلك القرى.
شحاتة السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق