فى حجرة بسيطة سقفها مكون من قطع خشبية مغطاة بالقش، فى أحد أزقة قرية «بنى عدى» بأسيوط، لا تتوافر فيها أبسط الاحتياجات الأساسية للحياة، أسرة متهالكة، الطوب اللبن لا يزال ظاهرا. منضدة تكاد تنكسر لكثرة ما تحمله من أدوات المطبخ، هنا تعيش سعاد عبدالتواب عبدالسلام، «دادة» بالمعهد الأزهرى، ووسط كل ذلك تشاركهم فى الحياة البسيطة، الدجاجات التى تقفز من مكان لمكان، ومن سرير لسرير.
على السرير الحديدى المتهالك المجاور لباب الحجرة، وملاءته الممزقة، ترقد سعاد، «دادة» الأطفال السبعين، التى لم تشاركهم فقط أحلامهم، وطفولتهم البريئة، بل شاركتهم أيضاً مصيرهم الأليم.
تتذكر سعاد، وهى مستلقاة على سريرها، أجمل ذكرياتها مع الأطفال ومشرفتى الأتوبيس والسائق، واسمها الذى كان يناديه 70 طفلا فى وقت واحد، لكن سرعان ما تتذكر عجلات القطار وصفارته، التى أعلنت نهاية تلك الذكريات، وأسدلت الستار عليها، «طول الوقت صوت الأطفال فى ودانى، وبحس إنهم بيتنططوا حولىَّ، وبينادوا علىَّ».
تندهش سعاد، كلما تذكرت آخر جملة قالتها المشرفة لها «آيات»، التى كانت مصابة بنزلة برد، «إحنا جايين لقدرنا النهاردة»، ولا تعلم سعاد ما سر قولها تلك الجملة «كل ما افتكر جملتها، بابقى مش مصدقة»، لكن سرعان ما تتذكر قائلة «دى كانت علامة الموت، ونعم بالله».
تعمل سعاد، فى المعهد الأزهرى منذ عامين، فهى شخصية قنوعة، بالرغم من أجرها الضئيل، الذى تحصل عليه مقابل عملها كـ«دادة وعاملة نظافة»، فإنه يمثل لها مبلغا كبيرا، «نعمة وفضل من ربنا إنى بشتغل فى المعهد، كنت باخد منه مبلغ كويس، 3 ميات ونصف، وكانوا معيشنى أنا وأولادى وأمى».
عمل سعاد فى النظافة يحتاج لقوة بدنية، لكنها مصابة فى ذراعها وساقها. تقول باكية «دراعى لسة محتاج علاج طبيعى، ورجلى لسه مش بقدر أمشى عليها، ومش عارفه إدارة المدرسة هترجعنى الشغل ولا لأ».
إدارة المدرسة لم تزر سعاد، سوى مرة احدة
وقت وقوع الحادث، تحاول أن تمنع دموعها، إلا أنها تفشل، وتنهمر فى البكاء قائلة، «ما سألوش علىَّ ولا مرة، وشغل المعهد هو مصدر رزقى اللى باصرف بيه على أولادى وأمى، من يوم ما أطلقت».
سعاد هى العائل الوحيد لأسرتها، انفصلت عن زوجها، لديها ثلاثة أطفال، سمر فى الصف الأول الإعدادى، وميرفت خمس سنوات، ومصطفى لا يتجاوز العامين. «العلاج غالى، علبة دواء ثمنها بـ 40 جنيه، بتخلص كل يومين، بضطر مجيبهاش».
تعيش سعاد مع أسرتها بأبسط الإمكانات، وتشير للثلاجة الموجودة فى أحد أركان الغرفة، اشترتها منذ عدة أيام، قائلة، «لسه شرياها من يومين، مكنش عندى ثلاجة، اشترتها من فلوس التعويضات»، حتى أبسط حقوقها وهى الإضاءة، لم تكن متوافرة، «كنت عايشة على الضلمة لغاية مدخلنا كهرباء من كام شهر». لا تعلم سعاد مصيرها حتى الآن فى العمل سوى أنها منتظرة اتصال إدارة المدرسة. «يا ريت يقولولى هترجعى الشغل تانى».
اسماء بدوى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق