جلسان طوال الليل متجاورين، وأمامهما الأخشاب المشتعلة ليحتميا من البرد القارس، بملابسهما المتهالكة التى تكشف بدورها عن هيئة متهالكة بكافة أنظمتها. أحمد عباس عبدالرحمن، أمير عثمان توفيق، خفيران بمزلقان «المندرة»، الذى شهد الكارثة.
من المفترض، وجود حجرة خاصة للخفير، بجانب المزلقان مباشرة، وبدلاً منها هناك حجرة صغيرة، ليست لها معالم ولا باب أو شباك، غير مؤهلة للاستخدام الآدمى. «طلبنا من هيئة السكك الحديدية، تصلح لنا الباب والشباك، لكن ما فيش فايدة»، بعين الحسرة والحزن، يتحدث الخفيران.
وقت الحادث، هناك خفير واحد، هو المسئول عن المزلقان. «بعد الحادثة جابونا إحنا الاتنين»، ويضيف: «إحنا أساساً مش غفراء، إحنا عمال صيانة، وبنشتغل غفراء بنظام 12 ساعة، ونريح 24 ساعة»، ويتساءلان باستنكار «بنشتغل على المزلقان، بالرغم إن له تعليمات وخبرة مختلفة تماماً عن تعليمات عمال الصيانة».
على جانبى المزلقان، لا يزال هناك أشلاء الأتوبيس، حتى الآن لم تأمر النيابة بإزالتها، وكأنها تتركها شاهد عيان على التطوير الذى ينتظره الجميع، «إحنا نفسيتنا بتتعب لما بنشوف ده، ما بالكم الأطفال!».
وبالرغم من مرور 40 يوماً على الحادث الأليم،
لم يحدث أى تغيير، سوى تغيير الخفير فقط، «ما فيش حاجة اتغيرت، المزلقان زى ما هو، لسه المزلقان يدوى، وبنجر البوابات بإيدينا».
النظام الأوتوماتيكى للمزلقانات، أكثر أماناً، ففى حالة نوم أو موت الخفير، ينتبه السائق، ويستطيع تدراك الموقف، «لازم تغير السكة الحديد مزلقاناتها، دى أكبر كارثة فى الهيئة، هى ضمن الأسباب الأساسية للحوادث»، مر نصف ساعة فقط، مر أكثر من 5 قطارات. «المشكلة إننا شغالين لسه بنظام التقاطر».
يرن هاتف أسود اللون بدائى، بمجرد رؤيته تدرك أنه من أيام الإنجليز، يتلقى الخفير أمراً بإغلاق البوابة من صاحب البلوك لوصول قطار رقم 68 القادم من أسوان للإسكندرية، يبدأ الخفيران فى شد البوابات ودفعها بصعوبة، «إحنا اتنين ومش قادرين نشد البوابات، ما بالك لو غفير واحد».
لافتتان صفراوان بحجم ضخم، كُتبا ببنط أسود كبير، تم تعليقهما بعد أقل من أسبوع من وقوع الحادث، كلاهما أمام مدخل قرية المندرة، لتعلن عن إنشاء شركة «المقاولون العرب» معهداً أزهرياً للإعدادى والثانوى. تتحول ملامح الخفير إلى العبوس، مشيراً للافتة «بعد خراب مالطة، جايين يفتكروا يعملوا معهد»، ليرد عليه زميله: «هى بلدنا كده، كانوا فين قبل كده!».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق