فى عصر تكنولوجيا المعلومات، وجيل الإنترنت، لم تعد المشاركة فى الفعاليات الثورية والاحتجاجية للكبار فقط، بل امتدت للأطفال، الذين باتت نزهتهم فى ميادين التظاهر، نراهم فى الصفوف الأولى عند حدوث أى اشتباكات، حتى أصبحوا يمثلون نسبة كبيرة من المقبوض عليهم فى الاشتباكات الأخيرة بميدان التحرير.
محمد سعد رمضان، تجاوز عقده الأول بـ3 أعوام فقط، لم يعش أبداً كغيره من الأطفال، فمنذ أن كان فى الثامنة من عمره، اضطرته ظروف عائلته الاقتصادية أن يترك تعليمه فى مسقط رأسه بأسيوط، وينتقل للقاهرة للعمل بأحد محلات الكشرى بالجيزة.
وفى يوم الأحد الماضى قرر «محمد» بعد أن انتهى من عمله الجلوس على المقهى كنوع من التغيير، وعندما شاهد اشتباكات قصر العينى، على شاشة التليفزيون، قرر أن يذهب هناك ليرى ما يحدث على أرض الواقع، «زهقت من الشغل فقلت أنزل أتفرج».
أحد الضباط قبض عليه بشارع قصر العينى والمجندون أوسعوه ضرباً ورحلوه إلى المعسكر مع معتقلين آخرين أكبرهم 25 سنةاتخذ «محمد» لنفسه موضعاً خلف جنود الأمن المركزى ليرى ما يحدث من الطرفين، «العساكر كانت عمالة تحدف قنابل كتير أوى، والناس ترد عليهم بالطوب»، وفجأة وجد «محمد» نفسه متهماً بالاشتباك مع الداخلية والتعدى على جنود الأمن المركزى أثناء تأدية عملهم، حيث التفت إلى وجوده أحد الضباط، فسأله عن سبب مشاركته فى المظاهرات، فرد ببساطة «جاى أتفرج»، فما كان من جنود الأمن المركزى إلا أن التفوا حوله وأوسعوه ضرباً، حتى كاد يسقط فى النيل، ثم صعدوا به إلى سيارة وصفها قائلاً «عربية زرقة وكبيرة أوى وكان جواها ناس غيرى وخانقة، كنت هموت جواها».
ويضيف «محمد»: «قعدت أعيط جوه العربية 3 ساعات لحد ما اتحركت». كان يوجد 7 متهمين غيره داخل سيارة الأمن المركزى، تفاوتت أعمارهم بين 16 و18 عاماً، أكبرهم (25 عاماً)، وحاول الجميع تهدئته باعتباره أصغرهم مؤكدين له أنه سيخرج اليوم ويعود لأهله.
اليوم الأول لمحمد بمعسكر السلام للأمن المركزى بدأ بتجريده من جميع ملابسه هو ومن معه، ثم سؤالهم عن أسمائهم ومحل إقامتهم، ليدخل بعد ذلك زنزانة صغيرة لينام بها هو و27 آخرون، «اللى كان بيلحق مننا بطانية كان بينام واللى مش بيلحق مبينمش»، لكن لم يكن محمد همه النوم بل جلس يبكى فهو لا يفهم ما يحدث له.
«اتضربت بالأقلام وقلعونى هدومى كلها والظابط قعد يضرب فيا ويشدنى من ودنى» هكذا بدأ اليوم الثانى لمحمد بمعسكر السلام، ولم يكن الوحيد الذى تعرض للضرب، حيث رأى كثيرين يُضربون أمام عينيه.
قضى «محمد» 4 أيام بمعسكر السلام للأمن المركزى، لا يخرج من الزنزانة إلا عند ذهابه لنيابة عابدين للتحقيق معه «ماكناش بنشوف الرصيف ولا نعرف أى حاجة من اللى بتحصل بره».
الضباط جردوه من ملابسه وأدخلوه زنزانة صغيرة مع 27 مسجوناً.. لم يخرج منها إلا للذهاب لنيابة عابدين للتحقيق معهوفى اليوم الثالث من القبض على «محمد» بدأ التحقيق معه بنيابة عابدين عن سبب نزوله لميدان التحرير، وصدر قرار بإخلاء سبيله لكنه لم ينفذ، ثم عاد للمعسكر مرة أخرى، ومنه إلى نيابة عابدين، ومنها إلى مقر مديرية أمن القاهرة، حيث تسلمه شقيقه «محمود» من هناك.
«محمود» هو الشقيق الأكبر لـ«محمد»، يعمل فى أحد محلات السوبر ماركت بالهرم، «محامى شاف محمد بيعيط فى نيابة عابدين وعرف إنه من أسيوط كلم عمى وقاله وجيت ألحق أخويا»، هكذا علم محمود بالقبض على أخيه الصغير، ثم ذهب للنيابة لرؤيته، فطمأنه المحامى أنه سيخرج، وأنه حُبس بسبب «خناقة» بين ظابط الشرطة ووكيل النيابة عليه، «وكيل النيابة زعق للظابط وقاله إزاى تجيبلى واحد سنه صغير كده أحقق معاه»، فصمم الظابط على حبس «محمد» وعدم الإفراج عنه.
بعد الإفراج عن «محمد» طلب منه شقيقه الذهاب للمعسكر للحصول على متعلقاته «ملابسه، هاتفه المحمول»، فرفض الذهاب مرة أخرى إلى هناك قائلاً: «مش هروح تانى، خايف ياخدونى، من ساعة ما شفت العذاب فى المعسكر وأنا حرمت».
مروة مدحت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق