باقى الصور
على بعد أكثر من ثلاثة عشر ألف كيلو متر، وبعيداً عن الصراع السياسي والمنافسات التي غالبا ما يخرج فيها الجميع خاسراً، كان شباب مصر يتنافسون في مضماراً اخرا، مضمار العلم والمستقبل مع شباب اكثر من 75 دولة، وتحديداً في مسابقة ISEF اكبر مسابقة من نوعها في العالم للعلوم والهندسة، والمخصصة للفئة العمرية ما بين 14-18 سنة، وتحديدا مرحلة ما قبل التعليم الجامعي، والتي انتهت قبل يومين بولاية أريزونا الأمريكية.
المسابقة بدأت تصفياتها المحلية الأولى قبل ستة أشهر تقريبا، وانتهت منتصف مارس الماضي بصعود ثلاثة فرق من القاهرة، ومثلها من الإسكندرية، وبدأت بعدها رحلة تجهيز هذه المشروعات للمنافسة العالمية، في واحدة من أقدم المسابقات العلمية في العالم؛ فعمرها يقترب من 63 عاما، عندما كانت مقتصرة على طلبة المدارس الأمريكية.
ثم تحولت المسابقة عام 1997 لتكون عالمية، وتتوسع عاما بعد عام، حتى صار مجموع الجوائز والمنح التعليمية التي تقدم من خلالها ما يصل إلى 3 ملايين دولار، وقامت شركة انتل برعايتها لكن دون التدخل في اختيار المشروعات أو لجان التحكيم، حيث بقى التنظيم والإدارة في يد مؤسسة ''المجتمع للعلوم والناس'' الغير هادفة للربح، وليتحول اسم المسابقة Intel International Science and Engineering Fair.
أجواء المنافسة هذا العام كانت صعبة، بمشاركة أكثر من 1600 طالب على مستوى العالم؛ ورغم استبعاد أحد المشروع الستة المصرية قبيل بدء المسابقة، إلا أن المشروعات الباقية كان لها بصمة واضحة، ومشروعان من الخمسة استطاعا أن يحجزا لهما مكانا على منصة الشرف، بحصولهما على المركز الرابع عالميا، وتحديدا في فرع علوم الكمبيوتر وهندسة النقل والسلامة.. وخلال الأسطر القليلة القادمة سنمر بحولة على المشروعات التي قدمها شباب مصر وسط شباب العالم.
مرض السرطان والجهل
يسبب مرض السرطان واحدة من أعلى نسبة الوفيات على مستوى العالم، وتعانى مصر كثيرا من انتشار هذا المرض، باختصار هذا كان الدافع لكي تتحرك عقول عمر خالد وسارة محمد وعبد الرحمن محمد، أبناء مدارس ثانوية بالإسكندرية، والذي فاز مشروعهم بالمركز الرابع في مسابقة انتل للعلوم والهندسة ISEF، في فئة علوم الكمبيوتر Computer Science أحد اصعب منافسات هذه المسابقة.
الفكرة كما يقول محمد عبدالرحمن:'' زميلتنا في الفريق ساره لديهما اهتمام بالأمور المتعلقة بالأمراض والطرق المبتكرة لعلاجها، وأثناء اطلاعها على أبحاث جديدة، لفتت نظرها دراسة علمية تؤكد أنه يمكن الكشف عن الأمراض التي تصيب الإنسان من خلال خط يده.. ومن هنا لمعت الفكرة''.
ويأخذ طرف الحديث منه عمر خالد: ''خطر سؤال في عقولنا: لماذا لا يتم ذلك بصورة اتوماتيكية، عبر برنامج كمبيوتر، يقوم بتحليل البيانات، ويقوم بعملية ''مسح'' لخط اليد ثم يقوم بتحليله، ووضع احتمالات الإصابة بالمرض وفقا للمعطيات التي تم تغذية البرنامج بها في السابق، وبالفعل قمنا بالبحث وجمع المعلومات وتصميم البرنامج، وتوصلنا إلى نسبة نجاح وصلت الي 80 في المئة على الأطفال''.
وتستكمل سارة بحماس :''رغم أن النسبة التي وصلنا اليها تعد عالية إلا أننا سنعمل على زيادتها، للمساعدة في الاكتشاف المبكر للمرض، والذي سيعمل بدوره على تحسين جودة العلاج وزيادة احتمالات الشفاء، لهذا نتعاون مع مستشفى 57357، وبدانا بالفعل تجارب ناجحة مشتركة.
ويعد علم الجرافولوجي الإكلينيكي، علم مستقل بذاته ومعترف به كفرع من فروع علم النفس، وهو العلم الذي اعتمدوا عليه في برنامجهم، الذي يعمل على تحليل خط اليد من خلال معالجة الصور في بيئة ماتلاب للحوسبة مع مختلف أنواع اللوغريتمات المطورة في الورق لاستخلاص بعض خصائص خط اليد من مدخلات البيانات.
ويحكي الثلاثة عن مشكلتين، مثلتا عاقا أمامهم، الأولى، عدم قبول الجهات الحكومية التعليمية أو الصحية تجربة فكرتهم، رغم أنها لا تمثل اي خطورة، حسب قولهم، والمشكلة الأخرى، والتي مثلت بالنسبة لهم معلومة صاعقة، عندما اكتشفوا العدد الكبير للناس التي لا تستطيع القراءة والكتابة، :''لم نكن نعلم أن في مصر عدد كبير ممن يعانون الأمية، هذا الأمر سرطان في حد ذاته، لذا كان لزاما علينا أن نتعامل مع الأطفال''.
إنقاذ السفن
ربما لأنه من الإسكندرية، والكثير من عائلته يعملون في مهن لها علاقة بالصيد وصناعة السفن فكر أحمد عاطف في ابتكار نظام جديد لإنقاذ السفن من الغرق في حالة الاصطدام. هذا المشروع أيضا حصل على المركز الرابع في مسابقة الهندسة، فرع النقل،:'' الجائزة أسعدتني جدا، هذه هي البداية، واشعر بان افكار جديدة قفزت لراسي توا''. هكذا عقب عاطف عقب فوزه بالجائزة.
وعن فكرته يقول ابن الإسكندرية الصغير:'' غرق السفن يكلف العالم الكثير من الأرواح البشرية وملايين من الدولارات، وتتلخص فكرتي في إضافة طبقة خارجية حول السفينة لحمايتها في حالة ارتطامها بأي جسم خارجي، بحيث تعمل كـ سندويتش لحماية جسم السفينة الخارجي والداخلي أيضا''.
ومن خلال تطوير نموذج محاكاة بالكمبيوتر، ثبت أن هذه الطبقة التي ابتكرتها يمكنها أن تقاوم الصدمات ولديها خصائص الكتلة المطلوبة''، ويضيف:'' قمت بتقديم طراز مبدئي للنظام بأكمله ليثبت هذه المفاهيم، وقمت أيضا بعمل نموذج تجريبي مصغر، بالتعاون مع القوات بالحرية بالإسكندرية، التي ساعدتني كثيرا في توفير بعض الإمكانات والأدوات''.
شمس ورمل وفقر طاقة
رغم ان مشروعها لم يحصل على جائزة، إلا أن حماسها يستحق أكثر من جائزة، إنها ندى يوسف الطالبة بالصف الأول الثانوي بإحدى مدارس محافظة أسيوط، ندى ابتكرت تعديل في خلية توليد طاقة تعمل بالطاقة الشمسية، وتقول:'' الصيف الماضي كانت البداية، مع تكرار حوادث انقطاع الكهرباء في بيتي ومدرستي، فجعلني هذا الأمر أبدأ بالبحث، عن مصادر جديدة للطاقة، مش معقول نعيش في ظلام كدا كتير''.
تشير أغلب الدراسات ان العالم سيعاني من نقص حاد في مصادر الطاقة في حدود من 30 الي 40 سنة من الان، وتقول ندى:'' المشكلة اصبحت تمثل تحدى، واغلب دول العالم تعمل على وضع خطط لمواجهة هذا الامر، وبدأت قبل الان بعشرين سنة''. وعن ابتكارها تقول:'' المشكلة التي تحول دون انتشار الطاقة الشمسية تكمن في كفاءتها، وفي صعوبة تخزينها فنيا وماديا، وكان ابتكاري يحاول أن يعاجل المشكلة الأولى، عبر حل مشكلة الحرارة، مما يعني طافة افضل، وذلك باستخدام سيلكون غير مبرد لتوليد ''سولار انرجي''.
الشمس والرمال، هذه هي المواد الأولية التي تحتاجها ندى لمشروعها، وتقول بنت أسيوط ذات الخمسة عشر ربيعا:'' لا أعرف كيف تكون مصر غنية بشمسها وبرمال سيناء، ولا نستغل هذه الثروات حتى الآن، ويكون لدينا فقر في الطاقة''. وتضيف:'' تجاوزت بفكرتي كل مراحل التنفيذ والمحاكاة عبر الكمبيوتر، ويبقى أن اقوم بتنفيذها عمليا في احد المعالم، ولكن هذا يتطلب '' Clean Room''، واتمنى ان تساعدني احدى الجهات الحكومية لكي أنفذ فكرتي، فأمامي مراحل كثيرة لكي أطورها وأعمل على تحسين أدائها لتصل إلى 33 في المئة أفضل مما يستخدم عالميا الآن''.
سقوط الطائرات
غالبا ما تمثل التحديات والمشكلات التي يواجها الشباب في بدايته نقطة البداية لولادة الفكرة، ويقول محمد علاء الدين محمد، مدرسة تكنولوجيا المعلومات بالإسماعيلية، صاحب ابتكار لمواجهة سقوط الطائرات من الجو عند حدوث أي عطل :'' رغم أنني كنت صغيرة إلا أنني أتذكر حادثة سقوط طائرة مصر للطيران القادمة من نيويورك عام 1999، حيث توفيت صديقة لوالدتي وأولادها، وظلت هذه الحادثة عالقة بعقلي طويلاً''.
يصف علاء فكرته بأنها بسيطة وتطلبت منه وهو في هذه المرحلة المبكرة من عمره أن يتعمق أكثر في الميكانيكي الهوائية، التي تعتمد على فكرة الطيران، ويقول ''من المعروف أنه عند حدوث أي خلل في أنظمة الطيارة تبدأ في السقوط نتيجة لخلل أصاب أنظمة الميكانيكا الكهربائية، وفكرتي تحاول أن تتعامل مع هذا الخلل وتعمل على تقليل أثره، عبر غاز الهليوم..''.
ورغم أن رحلة علاء مع ركوب الطائرات الحقيقية كانت قبل عامين فقط، إلا أنه يقول:'' قمت بتجربة أغلب الطائرات التي تسير على الأرض، وخلال رحلتي من القاهرة لولاية أريزونا قمت بتجربة طائرة إيرباص 380 العملاقة لأول مرة''، مضيفا: ''فكرتي يمكنها العمل على كل هذه الطائرات عبر تزويدها بغاز الهليوم بوزن يصل 1150 كيلو، وهو وزن بسيط مقارنة بما تحمل الطائرات عادة''، حسب قوله.
50 مليون شخص
''أسعى إلى إحداث تغيير كبير في حياة 50 مليون شخص يعانون من الصمم حول العالم، وذلك من خلال توفير أجهزة تعويضية بتكلفة مناسبة''، هذا هو الهدف الذي يسعى إليه علي عبدالفتاح محمد، الذي اشترك بمشروع في مجال الهندسة الكهربائية والميكانيكية، لمساعدة الصم والبكم على ممارسة حياته بصورة طبيعية.
ورغم أن مشروعه لم يحصل على أي جائزة في منافسات النهائية لكن علي عبدالفتاح يقول:'' امامي الكثير لأقوم به لكي أطور الفكرة، ولن أتوقف عند هذه المرحلة، فالهدف أن أساعد ملايين الناس الذين يعانون من مشكلة تعوق اندماجهم في المجتمع بصورة كاملة''.
أدهم عطية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق