أستاذ بجامعة الزقازيق : حب الشهرة والظهور من طبيعة النفس البشرية .
خبير نفسي: الهوس بالشهرة والمشاهير يتبعه اضطراب مجتمعي .
عالم : حب الشهرة والظهور طبيعة لكنه بداية لنفسيات غير سوية.
أستاذ علم اجتماع: هوس الشهرة مرض خطير يؤثر على استقرار المجتمع .
رئيس لجنة الفتوى السابق:حب الشهرة من الأمراض الدخيلة على نفسية المسلم السوي .
الإنسان بطبعه مقلد ويحب أن يظهر بمظهر أفضل من الذين حوله، لذلك يطغى عليه حب الشهرة، بل يغالي البعض ليستعلي على المجتمع على الرغم من مخالفة ذلك لنصوص القران والسنة، وحول علاقة الهوس بالشهرة والمشاهير بالثبات الداخلي والتنشئة الاجتماعية، وارتباط ذلك بالميول والدوافع النفسية للإنسان، من خلال التقرب لأهل الفن والمشاهير والنجوم، كان لـ شبكة الإعلام العربية "محيط" هذا التحقيق:
في البداية، يقول صمويل خليل -أستاذ مساعد بقسم علم النفس بكلية التربية جامعة أسيوط- أن الإنسان بطبعه محب للظهور، ويحب أن يكون محور حديث الآخرين من حوله، وهذه الحالة تندرج تحت ما يعرف بالاضطراب ثنائي القطبية، وهو الذي يتكون ويتالف عادة من عدة أنواع، أخطرها النوع الاول والمعروف علميا باسم "الاضطراب الهوسي الاكتئابي" او ثنائي القطبية ويتميز بتأرجح قوي بين محورين من الهوس والاكتئاب، وهو ما يؤثر سلبياً على النشاطات اليومية الطبيعية للفرد، ويحطم العلاقات الاجتماعية ويؤدي إلى أداء سيئ في العمل أو الدراسة.
تصرفات متهورة
وأوضح أن هذا الطور الهوسي ثنائي القطبية الأول يشمل النشوة المفاجئة أو الغضب الشديد، مع نشاط مفرط وقلة الحاجة للنوم وصدور تصرفات متهورة وارتفاع التقدير الذاتي، أو تسارع الأفكار، أو الانشغال بالأمور التي لا صلة لها أو غير الهامة بطبيعته، كحب الشهرة والمشاهير، وقد يكون هناك إسرافاً شديداً في التسوق وقد يلازم ذلك تصرفات جنسية خطرة على الفرد والمجتمع، أو تصرفات حمقاء تعتبر أيضا علامات مميزة لمرضي الهوس بالشهرة وبالمشاهير كنوع من التقليد .
وهذا الأمور السالف ذكرها تشابه مرض الاكتئاب، الذي يلازمه إرهاقاً مستمراً وحزناً وفقداناً للرغبة في النشاطات الممتعة، ويحدث تغيرات في نمط النوم والأكل وصعوبة في التركيز على العمل، ويشعر بانعدام القيمة واليأس، ورغبة في التخلص من الحياة والتفكير في الانتحار، لانخراط الشخص في التقليد دون استطاعة وصوله الى مرحلة إتقان تصرفات من يُعجب به.
حالة مرضية
ويقول الخبير النفسي الدكتور بشري خليل،
أن هناك أنواعاً من البشر يعيشون حالات مرضية، ويعانون من كلتا الحلقات الهوسية والاكتئابية، بالإضافة إلى حلقات ما تحت الهوس، وهي حالة اقل حدة من الهوس وتتميز بالنشاط المفرط والنشوة .
وحلقات الهوس عادة تبدأ بشكل مفاجئ وتستمر بمتوسط أربعة شهور، ويلازم ذلك حلقات من الاكتئاب ربما يستمر لوقت طويل يتعدي الستة اشهر ونادرا ما يدخل في حدود السنة، وفي بعض الأحيان يكون المريض بالهوس ممن تظهر عليهم اعراض حادة وتتطلب لزوم المريض للمستشفي، ويشير ذلك إلى اكتئاب شديد مما يجعل المريض في خطر القيام بالانتحار، او ان يكون الشخص يعاني من حلقة هوس خارج السيطرة كليا، وربما هناك مرضى ثنائي القطبية الأول، ربما يعانون أيضا من حلقات مختلطة والتي تتميز بالاكتئاب متزامنا مع اعراض الهوس او ما تحت الهوس وتتضمن الشعور بالتوتر وحدة الطباع وتسارع الأفكار والشعور بالأرق والاهتياج.
ويعتقد بعض النفسيين، بأن هذه المجموعة من الأعراض الهوسية والاكتئابية ربما ترفع خطر حصول الانتحار بشكل كبير، ويبقي السبب الدقيق لثنائي القطبية الاول غير معروف ويعتقد بعض خبراء علم النفس أن عدة عوامل تتضمن عوامل حيوية وجينية وبيئية ربما تكون المسئولة عن المرض بالهوس بالشهرة والمشاهير.
طبيعة بشرية
ويقول الدكتور أحمد عبد الرحمن -أستاذ علم النفس بكلية التربية جامعة الزقازيق- "حب الشهرة والظهور وعلاقته بالآخرين من طبيعة النفس البشرية ولا اعتراض على ذلك، وهذا متوقع ولكن المشكلة أن يصل الحال إلى كونه ظاهرة في النفس البشرية يؤدي إلى التباهي والمغالاة وتحقير الآخرين وإزدرائهم، فعند ذلك يصبح مرضاً مستفحلاً في النفس إن لم يتداركها صاحبها ويتابعها تصبح مهلكة له، وكثيراً ما يصيب هذه السلوك المشين طلابَ العلم المبتدئتين، فتجده في مجالسته أمام الآخرين يذكر أمجاده وثناء الناس عليه، ومن الطبيعي أن يكون حب الظهور والثناء على النفس مفسداً للعلاقات الاجتماعية بين الآخرين، لأنها تعطي سلوكاً سلبياً في تعامله مع الآخرين.
ويشير عبد الرحمن، إلى أن الأبحاث تؤكد أن الذين يعانون من ثنائي القطبية ربما لديهم اختلال في بعض المواقع الكيميائية المهمة في الدماغ وتسمي النواقل العصبية، مثل (النورابينبفرين، والسيروتونين، والدوبامين، وكل واحد منهم يلعب دورا مهما في المزاج والمشاعر الانسانية)، وقد يكون نصف المرضي لديهم فرد في العائلة يعاني من اختلال المزاج، كما أن وجود المرض في أحد الوالدين ربما يرفع نسبة خطر الاصابة بـ 15 الى 25%، ووجود توأم متطابق يعاني من المرض ربما يرفع خطر الإصابة إلى 85% .
كما أن ثنائي القطبية الاول ايضا يحدث غالبا بالتزامن مع إدمان الكحول، والمخدرات، والإصابة بأمراض نفسية أخرى مثل النهم العصبي والقهم العصبي ويتبعه اضطراب الحركة المفرطة وقصور الانتباه والرهاب الاجتماعي واضطراب الذعر، ويعتبر ثنائي القطبية الأول متساوي في نسبة الاصابة به الرجال والنساء بحسب الدراسات العلمية والبحثية، وعادة يظهر في أواخر المراهقة أو بداية البلوغ ولكن يمكن أن يحدث في الاطفال كصغر سن ما قبل مرحلة المدرسة.
وأشار عبد الرحمن إلى أنه وفقا للجمعية الأمريكية للطب النفسي، يعتبر تشخيص ثنائي القطبية الاول ينطوي على حلقة هوسية أو مختلطة وربما ينطوي على الاقل حلقة واحدة من الاكتئاب ويمكن علاجة بالتشخيص المناسب والعلاج الصحيح، ويعد أكثر الناس الذين سيعانون من ثنائي القطبية الاول بامكانهم عيش حياة صحية ومثمرة.
الشهرة والضرر بالمجتمع
ويقول الدكتور عبد الفتاح جوده أستاذ علم اجتماع التربية بجامعة الزقازيق ان الاصابة بأمراض حب الشهرة والظهور وتقليد المشاهير واتباع فئة بعينها دون غيرها من شرائح المجتمعات خاصة لاعبي الكرة بين الشباب والفنانات والموديلز وعارضات الازياء بين صفوف النساء هو من الأمراض الاجتماعية الخطيرة المؤثرة على استقرار المجتمعات العربية المنطقة كلها، ولبنان يعد مركزاً جذاباً رئيسياً ومميزاً في مجال عمليات التجميل، حيث تزداد عيادات التجميل، وهناك أعداداً كبيرة من النساء اللبنانيات والعربيات لديهنّ الاستعداد لصرف ألاف الدولارات على العملية التجميلية الواحدة، وأصبح هذا التقليد للنساء أمراً ضرورياً لا يُستغنى عنه في الحياة ليس فقط للمشهورات والفنانات منهن بل وشمل عامة النساء.
نساء لبنان متشابهات
وأشار جوده، إلى أن العيادات التجميلية في لبنان تكاد تكون فنادق خمسة نجوم من جراء ما توفره من راحة مطلقة لزبائنها اللبنانيين والقادمين أيضاً من دول الخليج، بحيث لا يشعر المريض انه في مستشفى الا عندما يتوجه لصالة العمليات، وأدت المبالغة المفرطة في السعي لتجميل المظهر، إلى جعل السيدات في لبنان متشابهات تقريباً، والجدير بالذكر ان عيادات التجميل هذه لا تخلو من نسبة عالية من رجال الفن والسياسة الذين يمولونها وينفقون أموالا طائلة عليها.
ويشير عدد من الأطباء إلى أن بعض الحقن المستخدمة للبوتوكس والفيلينج يكون لها مفعول سلبي، ما يؤدي بعض الاحيان الى تشوهات يصعب معالجتها، علماً أنه لا يوجد اي قانون يحمي المريض من الأخطاء الطبية في هذا المجال، وقد ورد في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "من لبس ثوب شهرة من الدنيا ألبسه ثوب مذلة يوم القيامة " رواه أحمد وأبو داود ".هذا كما أن هناك أزمة حقيقية تواجه معظم الفنانين، وهي رغبتهم الدائمة التي تصل إلى حد "المرض" في البقاء تحت الضوء، فالفنان الذي "ذاق" طعم النجومية ولمس بيديه "السحاب" لن يَرضى لنفسه أن يعيش على الأرض مثل باقي الناس، ولن يقبل أن يتحول إلى شخص عادي، لا يهتم الناس بأخباره ولا تجري الصحف وراء أسراره.
الرجال أيضاً
وفي السياق ذاته، تري دينا الجارم -خبيرة التجميل- أن المرأة ليست وحدها التي تداوم على متابعة خطوط الموضة وحب الظهور وطلب التجميل، لكن الرجال أيضاً لكن ما يعيب النساء أنهنّ اصبنّ بداء الإفراط في وضع مساحيق التجميل الصناعية "الماكياج"، على الرغم أن كثرتها تضر بسلامة البشرة، وتعجل بإصابتها بالشيخوخة، كما الرجال أيضا منهم من اقبل في السنوات الاخيرة على اجراء عمليات تجميلية على ملامحهم وعيونهم وأنوفهم.
وتؤكد "الجارم" أن اللبنانيات وسيدات دول الخليج والمصريات ايضا من أكثر الشعوب العربية التي يطلبنّ ويسعينّ إلى إجراء العمليات التجميلية تشبهاً بنجمات السينما وحتى الرجال ونذكر من أقدم على تجميل وجه ليكون شبيهاً للفنانة نانسي عجرم واليسا وهيفاء وهبي، وغيرهنّ وهناك من تجمل ليشبه دنجوان السينما حسين فهمي، وهناك الكثيرات والكثيرين ممن أقدموا على تجميل ملامحهم وقسماتهم من أجل الشهرة أو التشبة بالمشاهير، وهو ما يراه البعض خواء روحي من المنظور النفسي وهدر اقتصادي من وجهات النظر الاقتصادي.
مخالفة للشرع
يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش -رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر الشريف- أن حب الشهرة والمشاهير من الامراض الدخيلة على نفسية المسلم السوي، المحب لله ورسوله، وللمقبل على دينه بقلب وجل وعلى دنياه بغير حب التملك لمتعها وزيفها وزخرفها الزائل، ولقد نهي الانسان عن حب الشهوة والاعتقاد في حب بعض من ذاع صيتهم وعلا شأنهم، ولا ينفي ذلك أن يكون هناك نوع من الاحترام والتوقير لهم، وهذا مأمور به في ديننا الحنيف الذي يحث على الاحترام والتوقير لأصحاب المنازل الرفيعة والهمم العالية ولكن دون تفريط الى درجة الحب المفرط الذي يقود الانسان الى الوقوع بالكفر في الاعتقاد في نبوة البعض أو أن يعتقد في حب شخص ويصل به هذا الحب الى الاعتقاد في عدم جواز وقوع من يحب هذا ويكون - من المشاهير- في الخطأ.
داء فتاك
وأوضح ومع هذا كله فإن حب الشهرة داءٌ يفتك بصحابه قبل أن يفتك بغيره؛ حيث يقول الفضيل بن عياض "إنه ما أحب أحدٌ الشهرة والرياسة إلا حَسد وبَغى وتتبع عيوب الناس وكره أن يذكر أحدٌ بخير"، ويقول سفيان الثوري " إياك أن تكون ممن يحب أن يعمل بقوله أو ينشر قوله أو يسمع قوله ، وإياك وحب الشهرة ؛ فإن الرجل يكون حب الشهرة أحب إليه من الذهب والفضة، وهو بابٌ غامضٌ لا يبصره إلا البصير من العلماء .
وأضاف عاشق الشهرة لا ينظر إلا إلى رضا البشر ، ومن تتبع رضا الناس فقد تتبع شططا"، وكان السلف يحذرون من الشهرة وحب الظهور، وقال ابن المبارك: قال لي سفيان: " إياك والشهرة، فما أتيت أحداً إلا وقد نهى عن الشهرة، وكانوا يحرصون على الإخلاص والتواضع وهظم النفس، عَنِ الْحَسَنِ أنه قَالَ: لقد صحبت أقواماً إن كان أحدهم لتعرض له الحكمة لو نطق بها نفعته ونفعت أصحابه فما يمنعه منها إلاَّ مخافة الشهرة وكثيراً ما تظهر علامات الشهرة وحب الظهور على أعضاء الإنسان وحركاته، مثل الميل على الناس ومحادثتهم بطرف الوجه احتقاراً لهم واستكباراً عليهم، وقد حذر القرآن من هذا الفعل، قال تعالى: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور".
ويكمل الأطرش قائلاً "كم من حوار علمي أفسده حب الشهرة والظهور والتعالي على الآخرين، وكم من فرد ارتكب الحرام لأجل الشهرة وحب الظهور، وكم من انسان قال باطلاً وأشعل فتنة بسبب حب الظهور والشهرة".
عاطف عبد اللطيف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق