يوم الأربعاء الماضى، قبل الإفطار بساعة واحدة، توقفت الحياة فى مركز ديروط، بمحافظة أسيوط، إنها آخر ساعات شهر رمضان، تمر كعادتها مصحوبة ببهجة حلول عيد الفطر المبارك، تتجمع الأسر حول الموائد، انتظارا لمدفع الإفطار، لكن هناك فى شارع المستقبل بالمدينة التى عمها الهدوء، كان الوضع مختلفا، طلقات الرصاص تدوى بلا انقطاع، كانت قوة من مركز شرطة ديروط، يقودها النقيبان محمد يوسف ومحمد حامد، تهاجم بؤرة إجرامية للقبض على مسجل خطر هارب وعدد من معاونيه، لحظات وتوقف هدير الطلقات وحل الصمت، سالت الدماء غزيرة، وأودت طلقات الغدر بحياة الضابطين، قبل أن يبتل ريقهما بشربة ماء، كانا على بعد ساعات قليلة من عيد الفطر المبارك، لم تفرق الحياة بين الشهيدين، ربطتهما صلات القربى والجيرة، حملا نفس الاسم «محمد»، التحقا بنفس الكلية «الشرطة»، عملا بنفس المكان «مركز شرطة ديروط»، وخرجا فى نفس المأمورية، فأبى الموت أن يفرقهما ولحقا برحاب ربهما فى وقت واحد، وبطلقات مجرم واحد، مزجت دماؤهما معا، قبل أن تتغسل تراب الوطن.
الحزن والألم وسيرة عطرة، كل ما تبقى من الشهيدين فى مسقط رأسهما بمدينة ملوى فى المنيا، التى اتشحت بظلمة الليل ومرار الحزن، اختفت مظاهر الاحتفال بالعيد لدى الأهالى، الذين رفضوا كافة مظاهر البهجة وشاركوا أسرتى الشهيدين حزنهم، وتم تشييع جثمانى شهيدى الشرطة لمثواهما الأخير من مسجد المجيدى بمدينة ملوى، حيث دفن الشهيد النقيب محمد حامد، فى منطقة الشيخ عبادة بقرية منشاة المعاقلة، والنقيب محمد يوسف عبدالعظيم بمنطقة بقرية أشمونين بالبراشا.
حزن الأسرة خيم على كل شىء، ترددت آيات القرآن فى الجنبات وفى منزل الشهيد النقيب محمد حامد والذى ترك خلفه أماً ثكلى وزوجة وطفلين، هما سيف 6 سنوات وكريم 3 سنوات، رفض الطفل سيف الجلوس فى المنزل ودخل فى وصلة بكاء شديد، وطالب والدته بعدم البقاء فى المنزل ما دام والده قد غادر هذا المكان للأبد، والذهاب إلى أى مكان آخر، أما كريم فطالب والدته بالذهاب إلى حيث يوجد والده، وحاولت الأم التخفيف عن الولدين بأى شىء إلا أنهما رفضا.
لا ينسى أهالى المنطقة النقيب محمد حامد، صاحب الخلق: «كان صديقا لكل الناس ويعشقه أهل بلده»، محمد من عائلة عريقة ومحبوبة فى مركز ملوى وهى عائلة المنيسى.
أما عائلة النقيب محمد يوسف،
فقد زقامت سرادق عزاء كبيرا اجتمع فيه كل أصدقائه وأقاربه وأهالى القرية وتبادلوا ذكرياتهم معه وقصص نجاحه الأولى، وكيف كان الشهيد مثالا للشاب المجتهد فى سنوات دراسته وفى كافة المراحل، ومحبوبا من كافة أقرانه وزملائه، كان والده رجلا بسيطا، ليس بضابط شرطة، كان مدير حسابات بشركة مصر للسياحة، ولا يوجد فى عائلته من أحب العمل الشرطى لصعوبته ولكنه أدى واجبه بشجاعة.
الدكتور محمد نبيل، ابن خالة النقيب محمد يوسف، يحكى تفاصيل استشهاده بقوله إن الشهيد عرف أن المجرم الهارب فى هذا الوقت قد خطف طفلة، وقرر أن يعيدها إلى أهلها لتحضر العيد معهم، وقرر تنفيذ عملية الضبط فى هذا الوقت بالأخص، ليكمل فرحة أسرتها إلا أن يد الغدر والإجرام طالته، وصعدت روحه الطاهرة للسماء تنادى ربها أنها قد أحسنت صنعاً.
ويضيف: محمد تزوج منذ عام ونصف العام ولديه ولد اسمه عمر 4 شهور، تركه يتيماً، يطالب الله بالثأر له من المجرمين الذين غدروا به فى أيام مباركة، محمد دائما ما كان يردد «عمر ابنى أسد زيى» وسيصبح ضابط شرطة مثلى.
وأكد نبيل أن الشهيد كان قد نال فرصة جميلة نادراً ما تحدث، فقد قُبل فى كليتى الشرطة والحربية فى عام واحد، لكنه كان ميالا للشرطة، وقرر الالتحاق بكلية الشرطة وأصر على ذلك، وقد نال الشهادة التى تمنى دائما أن يرزق بها وأن يقبله الله عنده من الشهداء.
بينما ساءت حالة والدة الشهيد وزوجته، عقب سماع خبر استشهاده، خاصة أن والده توفى منذ حوالى ثمانية شهور، وكان هو كبير الأسرة، ولدية شقيق واحد هو أحمد، يعمل مهندس كمبيوتر، وشقيقة خريجة كلية التربية، وكان بمثابة كبير العائلة عقب وفاة والده.
كانت نيابة شمال أسيوط، برئاسة المستشار محمد بدران، المحامى العام لنيابات شمال أسيوط، قد قررت فى الساعات الأولى من صباح الخميس، التصريح بدفن جثتى شهيدى الشرطة بمباحث مركز ديروط، بعد انتداب الطب الشرعى لتشريحهما، وسط حالة من الغضب الشديد بين ضباط وأفراد الشرطة، الذين تظاهروا احتجاجاً على مقتل الضابطين، مطالبين بقانون يمنع التعدى على أفراد وضباط الشرطة.
وقال اللواء حسن سيف، مدير المباحث الجنائية، إن المتهم كان دائم فرض السيطرة على المواطنين وإجبارهم على دفع إتاوات بالإكراه، موضحاً أن تحريات المباحث أكدت أن المتهم واثنين من أعوانه المطلوبين على ذمة قضايا موجودون بمنزلهم، وبعد استئذان النيابة حاولوا مداهمة المنزل، إلا أنهم قاموا بإطلاق الأعيرة النارية على القوة، نتج عنها استشهاد الضابطين وإصابة آخر.
وتحولت مدينة ديروط إلى ثكنة عسكرية، وقامت قوات الأمن والجيش بإغلاق مداخل ومخارج المدينة؛ لمنع هروب المتهم خارج نطاق مدينة ديروط.
وقال حسين عمر، من أهالى منطقة الحادث بمركز ديروط، إن المجرم الذى أطلق وأعوانه الرصاص على قوة المباحث التى وصلت للقرية، من عائلة اعتادت الإجرام وإن لديه باعا طويلا فى المجال الإجرامى والاتجار بالأسلحة والمخدرات واختطاف أطفال الأثرياء وإجبارهم على دفع فدية مالية كبيرة للإفراج عن الضحايا، وكل المركز يعرف سمعته الإجرامية ويخشاه.
كان اللواء أبوالقاسم أبوضيف، مدير أمن أسيوط، قد تلقى إخطاراً من اللواء حسن سيف، مدير المباحث الجنائية، الأربعاء، بتبادل لإطلاق الأعيرة النارية بين بلطجية مطلوبين على ذمة أحكام ببندر ديروط، ومن بينهم المدعو حمادة فولى منصور، الهارب من حكم بـ15 عاماً، وأسفرت الاشتباكات عن استشهاد النقيب محمد حامد عبدالحكيم، والنقيب محمد يوسف عبدالعظيم، وإصابة الملازم أول عمرو طلعت حلمى، وفر المتهم هارباً وسط الزراعات.
تم نقل جثتى الضابطين المتوفين إلى مستشفى ديروط المركزى، ونقل المصاب إلى مستشفى أسيوط الجامعى والذى تماثل للشفاء العاجل ورفض الاستمرار فى المستشفى.
محمود مالك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق