فى بداية يومه، يتضرع جمال بدوى، «عربجى»، لله أن يستره، وأن ينهى يومه بأكله العشاء مع أولاده، ويخرج فى الصباح متوكلاً على الله ليحصد قوت يومه الذى بالكاد يكفى أكل يومه، يستغيث كل يوم من مرض أى من أفراد أسرته، فهو لم ينس حتى اليوم تجربته الأخيرة بعد أن سقطت ابنته ذات العامين من فوق السطح، واضطر لبيع الـ«كنبة» حتى يدفع رسوم إجراء أشعة مقطعية على مخها.
يعيش «عم جمال» فى منزل غير مكتمل الإنشاء، بشارع الشيخ عبدالله بمنطقة زرزارة، مع أسرته المكونة من 7 أولاد وبنتين، وينامون جميعاً فى حجرة واحدة، يتقاسمون الخبز وأمتار الأرض بسعادة، داعين الله أن تستمر هذه النعمة، وألا يأتى عليهم ما ينكد سعادتهم، التى يصفها جمال بأنها الاستمرار فى حياة الكفاف.
المرض، أكبر مخاوف ومنكدات يوم عم جمال، فهو لا يزال يتذكر تجربة فى مستشفى أسيوط الجامعى، وعن هذه التجربة يقول: «إحنا الغلابة مالناش ثمن عند الحكومة، فهم لا يتعاملون معنا من منطلق أننا مواطنون»، مشيراً إلى أن مسئولى قسم الإصابات بمستشفى أسيوط الجامعى رفضوا إجراء أشعة مقطعية على مخ ابنته التى لا يزيد عمرها على عامين إثر سقوطها من السطح، بسبب عدم استطاعته دفع 150 جنيها قيمة الرسوم.
وأضاف: «توسلت إليهم لإعفائى من تسديد رسوم الأشعة، نظراً لظروفى المادية الصعبة وكنت لا أمتلك فى بيتى سوى 10 جنيهات عاملين حسابنا نتعشى بيهم، ولكنهم رفضوا كل المحاولات التى قمت بها». وتابع: بعد توسلات اتفقت مع مسئولى المستشفى على ترك بطاقتى الشخصية وبطاقة زوجتى لعمل الأشعة للطفلة، قبل أن تتأخر حالتها، وتوجهت بعد ذلك إلى المنزل، وقمت ببيع «كنبة» لأحد النجارين، حتى أتمكن من توفير المبلغ المطلوب.
«الناس بتبقى لابسة هدوم نضيفة وباين عليهم العز وتعمل الأشعة بالمجان بتأشيرة من مدير المستشفى»، هكذا عبّر عم جمال عن سخطه على الحكومة ممثلة فى إدارة المستشفى، قبل أن يضيف: «إحنا عايشين فى منطقة بعيدة عن حسابات المسئولين وسط القمامة ومياه الصرف فبدلاً من أن يُخرج المسئولون جيلاً قادراً سيخرّجون جيلاً من النشالين والإرهابيين، إذا استمر الحال كما هو عليه»، وتابع: أصابتنا الأمراض نتيجة المجارى «الطافحة»، وتكدسنا فوق بعضنا، فهل يرضى المحافظ أن تنام ابنته الكبرى فى مكان لا يسترها إلا «ملايات» وسط الرجال؟
سعاد أحمد
محمود مالك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق