«مصر إذا سقطت انتهى العرب والمسلمون.. فيا أيها المصريون حافظوا على الجيش والشرطة..ويا أيها الشباب عودوا إلى الأزهر.. بهذه النداءات التى تشبه الوصية استهل الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط حواره ل «لأهرام» وقال إن الجيش إذا نيل منه انتهت الدولة من الخارج، وإن الشرطة إذا سقطت انتهت الدولة من الداخل.
ورفض الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم ربط الدين بأى جماعة أو حزب، وأكد أن الأزهر هو الجهة الوحيدة التى لها حق التحدث باسم الدين. وأن التشكيك فى علمائه هو أولى خطوات التطرف وقبول الشباب بالعنف والفكر التكفيرى.
ورغم حالة الاحتقان الشديدة التى تعيشها قطاعات كبيرة فى المجتمع جراء نظام الإخوان، لا يرى عميد اصول الدين بأسيوط مانعا من التصالح مع أعضاء الجماعة على أن تراجع الجماعة نفسها وأفكارها.
ولفت إلى أن الإفتاء بغير علم من أخطر ما يهدد الأمة الآن، مشيرا إلى أهمية علوم القرآن للمشتغلين بالدعوة والإفتاء، وأن عطاء القرآن دائم لا ينقطع إلى يوم القيامة.
كما تطرق د.مختار مرزوق ذو الأصول والنشأة الصعيدية لقضايا الثأر وحرمان المرأة من الميراث، ورؤيته للحد من تلك الظاهرة، وغيرها من الأمور يسرد تفاصيلها هذا الحوار.
أولا دعنا نتعرف ..من هو الدكتور مختار مرزوق؟
الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، أستاذ تفسير وعلوم القرآن، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. بدأت حياتى إماما وخطيبا بمديرية أوقاف أسيوط، ثم نقلت للعمل بالزقازيق.ثم عملت بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد بباكستان أستاذا معارا، ثم عينت عميدا لكلية أصول الدين فى 2007 ثم عميدا منتخبا فى 2011 إلى الآن.
لماذا اخترت التخصص فى التفسير وعلوم القرآن؟
اخترت هذا التخصص لرغبتى الملحة فى معرفة ما يتعلق بكتاب الله لأن القرآن الكريم يشمل جميع العلوم، لابد لمن يريد أن يفسر القرآن أن يكون ملما بجميع علوم القرآن الكريم، وهى تشمل: علم التفسير، وأسباب النزول، الناسخ والمنسوخ، المحكم والمتشابه، وغيرها الكثير والكثير، وقد قسم الإمام السيوطى رحمه الله علوم القرآن إلى ثمانين نوعا.وكل نوع له أفرع، بعض أهل العلم يقولون لو أنك بذلت جهدك طوال عمرك فى علم واحد من علوم القرآن ما وفيته حقه، مما يدل على السعة.
والإلمام بعلوم القرآن يجنبنا الوقوع فى كثير مما نراه الآن نتيجة من يفتون بغير إلمام لعلومه، فنجد كثيرا ممن يفتون يخبطون «خبط عشواء» يبدو أثر هؤلاء فيمن يفتون بتكفير بعض أفراد المجتمع، فهؤلاء لم يأخذوا حظهم من علوم القرآن الكريم، فلو أنهم كانوا على دراية بعلوم القرآن والشريعة ما ارتضى الإنسان لنفسه أن يصدر الفتاوى التى تبيح التكفير والتفجير فى المجتمع.
هل التفاسير المعاصرة إضافة أم مجرد عرض للتفاسير القديمة بأسلوب مختلف؟
التفسير نوع من الاجتهاد، والاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة، والقرآن الكريم له عطاء فى كل زمان ومكان، وفى الحديث وإن كان به ضعف لكن معناه صحيح، إن مدد القرآن لا ينتهى إلى قيام الساعة. لكن على المشتغلين بالتفسير والمجتهدين بشكل عام أن يكونوا متخصصين، وألا ينفصلوا عن المجتمع وواقع الناس، فأبرز مشكلاتنا هذه الأيام انه يتصدى للفتوى حتى الذين لا يحسنون قراءة العربية الفصحى وقراءة القرآن.
هل نحن بحاجة إلى ما يسمى التفسير العصري؟
الناس فى كل زمان ومكان بحاجة إلى من يقرب لهم أسلوب القرآن وينقل لهم ما قاله المسلمون القدامى بقالب عصرى وأسلوب يناسب أفهامهم وبيئتهم، لذلك تجد أعظم مفسر فى العصر الحديث وهو الشيخ الشعراوى رحمه الله، إذا نظرت إلى أى آية فسرها الشعراوى، لو رجعت لكتب التفسير الكبيرة كالشيخ الألوسى تجدها هى نفسها الآراء التى قالها الشعراوى، لكن الشعراوى بسطها للناس، وقالها بأسلوب أقرب لأذهانهم وبيئتهم. فالعلماء القدامى بعضهم لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا تكلم عنها، إما تصريحا وتفصيلا وإما تلميحا وإشارة. وهناك آيات يظهرها الله فى كل وقت حتى يتبين أن ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم هو الحق الذى لا يقبل الخلاف، ويتأكد إعجاز القرآن، وأن عطاءه مستمر، ولا ينقطع إلى قيام الساعة.
البعض يحرص على ربط القرآن بالعلم التجريبى للدلالة على صدق وإعجاز كتاب الله!
القرآن الكريم لا ينبغى أن نربطه بالنظريات لأن النظريات قد تتغير مع الوقت، بخلاف الحقائق العلمية التى هى ثابتة لا تتغير، لذا فإنها لا يمكن أن تتنافى مع القرآن، لذلك يقول المحققون بأنه يمكن ربط القرآن بالحقيقة العلمية لتقريب المعانى لدى المستشرقين. لكن يجب أن نؤمن فى النهاية بأن القرآن الكريم ليس بحاجة إلى إثبات إعجازه بأى وسيلة كانت.
مشكلة الثأر..
باعتبارك واحدا من أبناء الصعيد، متى تنتهى مشكلة الثأر؟
ينتشر الثأر بالصعيد على وجه الخصوص نظرا للحمية والعصبية التى جبل عليها ابن الصعيد لأنه يسود هناك نظام العائلات، والعائلات لديها مبدأ أن الإنسان يأخذ حقه بالقوة والسبب فى وجود هذه العادة السيئة هو ضعف القانون الذى لا يقتص من القاتل بما يستحق. عادة الثأر لن تنتهى إلا إذا طبق حد القصاص.. فلو أن القاتل عرف أنه سيقتل لما تجرأ على قتل دجاجة، وهذا ما أخبرنا به القرآن الكريم فى قوله تعالي: «..ولكم فى القصاص حياة«.
لو طبق القانون بحسم، وفعلت العقوبات كما نصت عليه الشريعة الإسلامية على كل من يفجر وكل من يسرق.لانتهت عادة الثأر والتفجيرات التى نشاهدها اليوم، وكلنا تابع قصة الطفلة زينة وكيف أن قاتلها ومغتصبها لم يعاقب بحجة أنه حدث ولا يزال طفلا فى نظر القانون،
كيف يكون حدثا من تجاوز الخامسة عشرة من عمره وظهرت عليه علامات البلوغ الشرعية؟!
معنى ذلك أنك لا توافق على قانون الطفل الحالى الذى يحدد الثامنة عشرة سنا للبلوغ.
نعم لا أوافق، وأطالب بتغيير هذا القانون فورا، والرجوع به إلى سن 15، أو 14 سنة، فذلك ضمن ما يفيد فإنه سيحد من ارتكاب الجريمة، لردع القاتل والمجرم الذى لا يزال يعتبره القانون طفلا دون المساءلة الكاملة.
نبذ المتدينين والإسلاميين بشكل عام، كان من آثار فشل التجربة السابقة.. ما تعليقك؟
فشل التجربة السابقة، لا يعنى أن نرفض كل متدين أو منتقبة بالشارع ونعدهم إرهابيين، يجب ألا نربط الإسلام بأى جماعة من الجماعات، سواء كانت صوفية أو سلفية، أو إخوانا، أو غيرها، فالإسلام يسع الجميع ولكنه أكبر من الجميع.أدعو المصريين جميعا مهما يكن غضبهم من فئة معينة أو فصيل معين، إلى عدم تعميم الأحكام بذم أو نبذ كل من ترتدى النقاب أو الثياب القصيرة، نحن لا نحكم على الأشخاص بل على الأفعال. وكذلك لا نرفض الأشخاص والجماعات على المطلق، بل الأفعال هى الفيصل فى ذلك، مع مراعاة قول الله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخري»، لذلك لابد من إعلاء القانون وتطبيقه على الجميع، مثلما يحدث فى امريكا والغرب وهو بالمناسبة مبدأ إسلامي، تطبيق القانون على الجميع سواء رئيس الدولة وأى مواطن عادي، وعدم استثناء أحد من المساءلة.
التفجيرات لماذا؟
كثيرون ممن ينفذون عمليات التفجير من الشباب الصغير الذين يؤجرون بالأموال من هنا أو هناك، وهناك بعض الدول المعادية لنا تساعد بالمليارات لتدمير مصر والقضاء عليها، لأن مصر إذا سقطت وقضى عليها انتهى العرب والمسلمون وتحولت الدول المجاورة لإسرائيل إلى دويلات صغيرة، لا قائمة لها..لذا فيجب على المصريين أن يحافظوا على جيشهم لأن الجيش إذا نيل منه انتهت الدولة من الخارج، وأن يحافظوا على الشرطة لأنها إذا سقطت انتهت الدولة من الداخل، حتى إذا وجدت تجاوزات بأى من هاتين المؤسستين، فكل هيئة من هيئات الدولة بها تجاوزات، لأننا فى النهاية بشر، والبشر يخطئ. لكن هذه التجاوزات لابد أن تواجه بقوة القانون، دون تراخ أو استثناء.
فشل تجربة الإخوان هل يوحى بعدم صلاحية الإسلاميين بشكل عام للحكم؟
أنا ضد التعميم، ولا نستطيع رفض كل من يريد أن يتعرض للحكم من الإسلاميين، كونه إسلاميا فقط، فلو تقدم مرشح كفء من هؤلاء، دون أن يقع فيما وقعوا فيه من أخطاء، ما المانع من ترشحه، ولو حرص على تطبيق المبادئ الإسلامية لنجحت التجربة الإسلامية..لكن يجب أن نعلم أن التجربة الإسلامية لا ترتبط بالإسلاميين أو غيرهم، فنحن لا نحتاج لشيخ أزهرى يحكم البلد..فقط نريد ممن يحكمنا أن يحكمنا بالمبادئ الإسلامية، التى أرساها الإسلام وبينتها الشريعة.
التفجير والعنف
لماذا انتشر فكر التطرف والعنف والتفجيرات فى الفترة الأخيرة؟
التفجيرات انتشرت لأن هؤلاء الشباب الذين يتبنون فكر العنف يأخذون علمهم عن غير المتخصصين، أو من أناس لا يعتمدون المنهج الأزهرى الوسطى المعتدل، ويتم تغذيتهم وتدريبهم على فكر معين وثقافة معينة خاطئة،قوامها التكفير، ومن ثم يقنعونهم بأنه إذا قُتل الإنسان وهو يفجر يموت شهيدا، ورغم ما نشاهده يوميا، فإن هؤلاء المخربين لم ينجحوا بدليل أن المجتمع يرفضهم، ولكنهم مستمرون فى أفعالهم بسبب التراخى فى تطبيق القانون.
من خلال اشتغالك بالدعوة إلى جانب المحاضرات والعمل الإداري..ما نصيحتك للدعاة؟
أقول للأئمة لو استفدتم من إمامتكم بالمساجد لكونتم ثروة معرفية واستفادة حقيقية قبل أن تفيدوا غيركم، فينقص كثير من الدعاة الاطلاع ومتابعة مجريات الأحداث خاصة ان سبل الاطلاع أصبحت كثيرة ومتوافرة فى كل مكان وحتى بالمحمول، وعلى الداعية أن يطور من نفسه وأسلوبه وأن يربط بين القديم والحديث ولا يوقف نفسه على القديم.
كيف يتم إزالة الحاجز والجدار الفاصل الآن بين الاخوان والدولة؟
أولا، لابد من مراجعات فكرية من قبل الإخوان أنفسهم، كما راجعت الجماعات الإسلامية أفكارها من قبل. وان يعلنوا خلال مراجعاتهم أنهم أخطأوا أولا. وأن تتم محاسبة كل من تلطخت أيديهم بالدماء، سواء من الإخوان أو غير الإخوان، فتحقيق العدالة حتى فى العقوبات يعكس رضا وارتياحا بالمجتمع، لا مانع من المصالحة مع أى فصيل بالمجتمع ما لم تتلطخ أيديهم بالدماء.
وبماذا تنصح الشباب؟
أدعو الشباب إلى أن يلتفوا حول الأزهر وشيوخه وعلمائه، وأن يتبعوهم، ويأخذوا علمهم عنهم، وألا يلتفتوا لاتهامات علماء الأزهر بأنهم علماء السلطة والنظام، فهذا وصف يراد به التشكيك فى العلماء والفصل بينهم وبين الشباب، وحينما يتم ذلك يرتمى الشباب فى أحضان المتطرفين والتكفيريين، ويحدث ما لا تحمد عقباه.
يجب على الشباب أن يحكم كل منهم عقله فيما يتصرف ليست هناك طاعة عمياء لأحد، وليست هناك طاعة مطلقة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لو نظرت للآخر الذى يقودنى على انه بشر يخطئ ويصيب لتغير كثير من الأمور، أما الطاعة العمياء فيظل صاحبها طوال حياته مغفلا.
كما أدعو الشباب المتعاطفين مع الإخوان إلى أن ينخرطوا فى حزب سياسي، وليس دينيا، حتى لا نربط الأخطاء الواقعة من الأفراد بالدين، ولا يتكلم الحزب أو الجماعة على أنه هو المتحدث الرسمى باسم الدين. المؤسسة الوحيدة التى لها الحق أن تتكلم باسم الدين هى الأزهر ومشتقاته: الأوقاف، الإفتاء، هيئة كبار العلماء، مجمع البحوث.
كلام جميل كلام علماء
ردحذف