أصدر مجلس التأديب الأعلى للقضاة، برئاسة القاضي أحمد جمال عبداللطيف، في 24 أغسطس الماضي، حكما نهائيا، بعزل وكيل نيابة البداري الجزئية محمد شعبان، من السلطة القضائية، وإحالته لوظيفة مدنية بالجهاز الإداري للدولة.
وكان محمد شعبان عبدالرحيم خليل، قد أدين بالمشاركة في استطلاع رأي أجرته الإذاعة البريطانية "بي بي سي" على موقعها الإلكتروني بوصف ما حدث في مصر من عزل للرئيس السابق محمد مرسي بالانقلاب العسكري، إلى جانب انتمائه لـ"جماعة الإخوان"، وصلاة الجنازة على أحد ضحايا فض اعتصام رابعة.
الحكم النهائي بعزل "شعبان" صاحب الـ27 عاما، الذي تمتع بالحصانة القضائية ثلاثة أعوام فقط، جاء مخالفا لحكم مجلس صلاحية أول درجة الذي اكتفى بالتوصية بالتنبيه والتحذير للمدعى عليه، ومن ثم رفض دعوى عدم الصلاحية وعزله من القضاء.
واللافت من مطالعة أوراق القضية التي ينفرد "دوت مصر" بنشرها، أن القرار النهائي البات بعزل عضو النيابة محمد شعبان من القضاء استند إلى ذات أسباب الحكم الأول "الذي رفض العزل"، واكتفى بالتنبيه.
شكوى كيدية
بداية التعرض للقضية كان حين تقدمت المواطنة عفاف حنفي، بشكوى للتفتيش القضائي ادعت فيها على "شعبان" الانتماء لـ"الإخوان"، وعقد اجتماعات بإحدى مساجد بني مزار بمحافظة المنيا لجمع الأموال والتحريض على الدولة والدعاء بهلاك الجيش والشرطة، والمشركة في كتابة شعارات مناهضة لسلطات الحكم على الحوائط وتعليق صور الرئيس الأسبق محمد مرسي.
وكيل النيابة المعزول من السلطة القضائية، أكد في التحقيقات وجود خصومة بينه وبين الشاكية، لسبق تعديها عليه بالطريق العام عقب تعيينه بالنيابة العامة، إلى جانب قيام زوج شقيقته الذي يعمل باحثا قانونيا بوزارة التربية والتعليم، باستبعادها من العمل التعليمي لتورطها في بعض المخالفات.
تخرج محمد شعبان من كلية الحقوق دفعة 2009 بتقدير جيد جدا، وعمل بالمحاماة ثم عّين بالنيابة العامة عام 2012، وتزوج ولديه طفلين، وبموجب القانون تمنعه نقابة المحامين من عضويتها بعد عزله من السلطة القضائية.
تقارير وكلاء النيابة عن المستشار المفصول
المحامي العام لنيابات جنوب أسيوط، أرسل مذكرة للتفتيش القضائي، ذكر فيها أن بمناقشة زملاء وكيل النيابة محمد شعبان في العمل ومتابعته، ثبت انتمائه "الشديد" لـ"جماعة الإخوان"، والعمل قبل تعيينه بالنيابة في عام 2012، بمكتب المحامي وعضو مجلس الشعب السابق عن حزب الخرية والعدالة، سمير خشبة.
إلا أن المحامي العام يرى أن "شعبان" مجتهد في عمله ولا توجد عليه ملاحظات وأرسل الرابط الخاص بصفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لإدارة التفتيش القضائي.
قاضي التحقيق في القضية "فتّش" في صفحة القاضي الخاصة على "فيس بوك"، وكشف نشره لصورة "سوداء" مدون عليها "حداد إنا لله وإنا إليه راجعون"، إلى جانب مشاركته في استطلاع رأي أجراه موقع "بي بي سي بالعربي"، واصفا ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري، وأبدى رفضه لما قام به وزير الدفاع وقتها عبدالفتاح السيسي من عزل "مرسي".
كما نفى "شعبان" في التحقيقات صلته بـ"جماعة الإخوان" أو أي فصيل سياسي، وأقر بصحة كل التدوينات المنشورة على صفحته بموقع "فيس بوك"، معللا ما ورد بها بأنه تعبير عن رأيه الشخصي، وفنّد اتهام زملائه له بالانتماء للإخوان بسبب مشاركته في الاستفتاء على دستور 2012، رغم دعوات المقاطعة التي أطلقها نادي القضاة وقتها.
تحريات الأمن
هيئة الأمن القومي في تحرياتها، أثبتت إمامة "وكيل النيابة السابق" محمد شعبان لجنازة "رجب فاروق" الذي قتل أثناء فض اعتصام رابعة، بقرية نزلة الجولف، كما نادى في مكبرات الصوت واستنفر السكان لصلاة الجنازة واتهم قوات الجيش والشرطة بقتل الضحية، ودعى عليها "بصورة غير مباشرة".
التحريات رصدت –بحسب أوراق القضية- حضور العديد من أعضاء "جماعة الإخوان" لعرسه، كما أن القيادي الإخواني سمير خشبة هو واسطته في التعيين بالنيابة.
أسباب حكم أول درجة الذي اكتفى بـ"لفت النظر" أكدت أن رسالة القضاء تستلزم في القائمين عليها شرطبن متلازمين هما، الصلاحية والأهلية.
وأشارت إلى أن مجلس الصلاحية ليس مطالبا بالأخذ بالأدلة والتحريات مباشرة بل يجب فحصها والتحقق من جديتها، لا سيما وأن التحريات تعبر عن رأي كاتبها وتحتمل الصدق والكذب.
والتفت مجلس الصلاحية عن مذكرة المحامي العام لنيابات أسيوط، وما جاء فيها من انتمائه للإخوان لافتقادها دليلا ماديا واحدا.
مجلس الصلاحية: التحريات باطلة
واتهم مجلس الصلاحية تحريات جهازي الأمن القومي والأمن الوطني، بالمتناقضة، واعتمادها على اتهامات دون دلائل حتى أنها أخطات في تحديد محل سكن المستشار محمد شعبان، وبشأن اتهامه للإخوان ذكرت الحيثيات أن جهاز مباحث أمن الدولة، أورد في تحرياته السياسية خلال عام 2010، أن لا مانع سياسي من تعيين المدعى عليه بالنيابة.
مجلس الصلاحية لفت انتباه القاضي المذكور إلى أن التعبير عن الأراء السياسية بمواقع التواصل الاجتماعي يجعله في مرمى النقد بما ينال من حيدته وتجرده ويثير الشكوك بشأن سلامة مقصده بما ينال من استقلال السلطة القضائية.
ورأى المجلس –في حكم أول درجة، الاكتفاء بتوصية وتحذير وكيل نيابة البداري محمد شعبان من إثارة شبهة عدم الصلاحية عنه مرة أخرى ورفض عزله من القضاء.
وأشار في ذات السياق إلى أن الجزاء يجب أن يكون عادلا بأن يخلو من الإسراف في الشدة أو الإمعان في الرأفة لأن كلا الأمرين يجافي المصلحة العامة، وأعذره لقلة خبرته بالعمل القضائي، كما أن الدلائل المقدمة لا تكفي لفقدانه العمل بالنيابة العامة.
النيابة العامة طعنت على الحكم أمام مجلس التأديب الأعلى الذي استخدم ذات الحيثيات التي استند عليها حكم أول درجة وقرر بأنه لا يرى مجرد التوصية والتنبيه على المدعي عليه فقط جزاء مناسبا لما قام به، وقضى بقبول طعن النيابة العامة وقبول دعوى الصلاحية وإحالة وكيل النيابة محمد شعبان لوظيفة غير قضائية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق