«الله يرحمه، قضى عمره كله ينقذ الناس، وعمره ما قصر، ولما اتحرق اتحرم من الإسعاف وما فى حد دور عليه، حرام»..
هكذا انتهت كلمات أسماء، ابنة مساعد الشرطة أحمد عبدالزين عبدالله، الذى استشهد حرقا أثناء مشاركته فى إطفاء منزل بقرية المندرة فى مركز ديروط بأسيوط أمس الأول. وأضافت أن الأسرة رفضت عمل جنازة عسكرية لوالدها وقالت: «الله يرحمه، هتفيد بإيه الجنازة العسكرية؟ كفاية دعوات الناس ليه والأرواح اللى أنقذها من الموت على مدار 30 سنة.. ربنا يجازيه خير».
لم تكن أسماء وحدها تبكى وتحترق حزنا، قرية المندرة بمركز ديروط، مسقط رأس الشهيد، قضت ليلة حزينة، المنازل أغلقت أبوابها فى العاشرة مساء، وخيم الصمت على القرية، بينما تتردد فى الجنبات أصداء تلاوة الآيات القرآنية وهمس الأحاديث الجانبية عن اللحظات الأخيرة فى حياة الشهيد الذى دفع حياته ثمنا لواجبه: «دخل البيت وهو مولع، وزمايله حاولوا يمنعوه، لكنه أصر، كان فاكر ان البيت فيه أطفال وكان عاوز يلحقهم ولما اتحرق هو الإسعاف اتأخرت لحد ما مات».
«الوطن» انتقلت إلى أسرة الشهيد وأصدقائه وقال صديقه العريف إبراهيم عبدالحافظ: «كان عمره 57 سنة، لكن تشوفه فى الشغل تقول عنده 30 سنة الله يرحمه عمره ما قصر فى واجبه أبدا».
عن يومه الأخير يتحدث الرقيب أحمد ماهر قائلا إنه كان سعيداً جداً، وحضر إلى العمل فى نقطة الإطفاء نشيطا، وقال لنا أثناء تناول الإفطار «ربنا يسترها يا أولاد ويعديها على خير».
ويصفه ماهر بقوله:
كان شجاعا فى أخطر المواقف التى نواجهها فى عملنا مع أنه أكبرنا سنا، وكان حسن السمعة بين الناس، والقيادات كلها كانت تحبه وتحترمه وتأخذ رأيه فى العمل لأنه الأكثر خبرة.
وقال زميله أمين الشرطة أشرف قاسم: «تلقينا بلاغا من قريته وعرفنا بعد ذلك أنه بلاغ كاذب فقام بالمرور على منازل القرية منزلا منزلا يودعهم ويسلم عليهم ويحييهم، وكأن قلبه كان حاسس انها آخر مرة هيشوفهم».
وعن يوم الواقعة يقول الأمين عبدالرحمن محمد إنهم تلقوا بلاغا «فخرجنا لفحصه وفى الطريق مررنا على مدافن القرية فأوقف السيارة ونزل وقرأ الفاتحة وقال بالحرف: ما حدش ضامن الدنيا، الواحد معدى عليها راكب عربية وماشى على رجليه يا عالم ممكن ما يعديش تانى وييجى متشال على خشبة. فقلت له: ما تقولش كده يا عم أحمد ربنا يديك طولة العمر. فرد: المهم انه يرضى عنك».
ثم تلقينا بلاغا آخر باشتعال أسطوانة بوتاجاز بمزل مكون من 4 طوابق وبه أطفال «اتصلنا بسيارات الكهرباء والإسعاف وقلت له خليك يا عم أحمد انت تعبت النهارده. قال: لا والله لا انا طالع، البلاغ فيه أطفال يا راجل لازم أروح إن ما كنتش هروح عشان الأطفال هروح عشان مين؟ وخرجنا، وعندما وصلنا لم تصل الإسعاف ولا سيارة الكهرباء وهذا تقصير جسيم بعيداً عن إصابة أحدنا إذا كان فى المكان مصاب من سيتولى أمره؟ وعند وصولنا وجدنا الأبواب مغلقة وصعدنا أنا وهو من سلم السيارة وبدأنا فى عملية الإطفاء، وبعد الانتهاء من كسر البلكونة حاولت أن أمنعه من الدخول حتى وصول سيارة الكهرباء إلا أنه رفض وقال لو فى طفل بالداخل من يتحمل ذنبه؟ وقام بإطلاق خرطوم المياه، ومع وجود ماس كهربائى صعقه التيار فحاول زميله الأمين عبدالصبور عرفة إنقاذه إلا أن التيار ألقاه 4 أمتار للخلف، وبعد أن قمنا بفصل التيار ظللنا نبحث عن سيارة إسعاف حتى ننقله للمستشفى أكثر من ثلث ساعة حتى مات».
أسرة أحمد مكونة من 6 أفراد هم: أسماء، 25 سنة، و5 أولاد: محمد، 23 سنة مجند بالجيش، ورمضان، 20 سنة، وحمادة، 18 سنة طالب، وزياد، 15 سنة، وعبدالرحمن، 9 سنوات، وكانوا فى حالة انهيار كامل منعهم من الاسترسال فى الحديث، ولدى خروجنا قال ابنه محمد باكيا: «احنا مش عايزين غير محاسبة المسئول عن التقصير من الكهرباء، والإسعاف هما السبب».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق