باقى الصور
أمام مقر مجلس الوزراء بشارع القصر العيني.. تجد رجلاً يظهر عليه وجه تجاعيد الحياة المصرية التي عاشها الشعب في ظل حكم النظام السابق.. حينما تنظر إلى عينيه تجدهما مليئتان بالدموع التي ترفض أن تسقط من مقرها الرسمي ''العين''، لكي يبقى هو صلباً متماسكاً أمام الجميع.. تجده طوال الوقت يستمع إلى الأغاني الوطنية القديمة وفي بعض الأحيان تسمع من خيمته البسيطة أغاني ''عمرو دياب ومنير''.
لا يبدو عليه معلماً ضمن المعلمين المعتصمين هناك، ولا يبدو عليه أنه مع هذا الاعتصام من قريب أو من بعيد، تجده دائماً يعصب حول رأسه شارة مكتوب عليها ''الشهيد مينا إسكندر'' .
قابلنا هذا الرجل بابتسامة تختبئ ورائها الآلام كثيرة، تتنظر أن يأتي إليها أي شخص ليبدأ هو '' بالفضفضة'' حتى يخرج جزءً من هذه الآلام ليرتاح ولو لبضع دقائق.
هذا الرجل يدعى '' مجدي إسكندر سعد'' يعمل ''فني ستالايت''، أصوله من أسيوط ويسكن هو وعائلته في منطقة ''الشرابية''، أُصيب بكسر مضاعف في الركبتين في أحداث ''موقعة الجمل''، وأصبح عاجزاً عن العمل من وقتها، فقد ابنه الكبير ''مينا'' في أحداث ''جمعة الغضب'' .
وجدنا '' مينا'' عاملاً بسيطاً يعمل في مهنة خراطة المعادن، وقام بالزواج من إحدى الفتيات قبل وفاته بـ3 شهور، لم يكن له أي علاقة من قريبٍ أو بعيدٍ بالحياة السياسية فلم يكن منتمي لأي حزب سياسي أو من المعارضة أو ما شبه؛ ولكنه خرج مثله مثل باقي الشباب في ثورة 25 يناير ليعلن عن مطالب أساسية '' عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية'' .
ويروي ''عم مجدي'' قصته ''عاصرت أنا وأولادي الاثنين يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين بكل تفاصيلهم المعروفة، حتى جاء يوم 28 يناير والمعروف إعلامياً '' بجمعة الغضب''؛ حيث خرجت في مسيرة متجهه نحو رمسيس ومنها إلى ميدان التحرير، وخرج أولادي ''مينا وجرجس'' في مسيرة تخرج من منطقة الشرابية ومتجهة أيضاً نحو ميدان التحرير''.
''فوجئت بقدوم جرجس وأصدقاء مينا في التحرير، فشعرت أن هناك شئ غريب قد حدث، ولكنه لم أتخيل أن يكون ابني قد توفى''.. هكذا قال وهو يبكي ولده الذي تلقي خبرة وفاته الذي وقع عليه كالصاعقة متماسكاً، تاركا الميدان ليلقي النظرة الأخيرة على ابنه .
نخرج من أرض الذكريات بعد أن تعرفنا على جزء من حياة '' مينا إسكندر''، وكما يتوقع البعض أن يكون مطلب والد مينا هو القصاص العادل ممن قتلوا ابنه، ولكن الغريب هنا أنه لا يطلب قصاصاً عادلاً ولا يطلب تعويضاً مادياً ولكنه يطلب فقط '' أن تعترف الدولة بأبنه مينا كشهيد؛ حيث أن الدولة حتى الآن لا تعترف بمينا شهيداً وتقول أنه تم قتله بالخطأ أثناء تأدية قوات الأمن لمهمة وظيفتهم''.
مرة أخرى نعود إلى الأرض الواقع؛ حيث أننا لا نزال أمام مجلس الوزراء في خيمة والد مينا إسكندر، الذي يتنظر رد الدكتور هشام قنديل - رئيس الوزراء - الذي بعث له بمندوب يوم الأربعاء الموافق 19 من الشهر الجاري، وقد قام مجدي، والد الشهيد، برواية حكايته وحكاية ولده لهذا المندوب الذي رد عليه قائلاً ''سننظر في هذة القضية وسنعطيك رداً في القريب العاجل''.
وهنا بدأ صوته يعلو وينفعل ويقول: ''هل ما أطلبه كثيراً؟!.. أنا لا أطلب قصاص ولا أطلب نقود كل ما أطلبه فقط هو شهادة معتمدة من الدولة تثبت أن مينا أبني ''شهيداً''، حتى أعطيها لحفيدي ''مينا''، ليفخر بوالده في المستقبل'' .
واستمر في انفعاله ''أنا أقول من مكاني هذا، الذي لن أتركه حتى يتحقق طلبي للرئيس محمد مرسي الذي قال أن الشهداء هم من أتوا به على كرسي الرئاسة، ولكن مرسي قد كرم فقط 4 من أسر الشهداء!، هل شهداء ثورة 25 يناير وباقي الأحداث هم 4 فقط.. كيف يعقل هذا؟!'' .
''يا مرسي اتق الله في شعب مصر حتى لا يكرهك الشعب كما كره مبارك وثار عليه وخلعه من الحكم''.. كانت هذه هي أخر جملة نطق بها ''مجدي إسكندر'' الذى لا يزال يطالب بحق ابنه الذى يقول أنه قتل فى أحداث ''جمعة الغضب'' والذي لم تعترف به الدولة شهيداً حتى الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق