"الرخص لوسمحت" ، كلمات إستهل بها شرطى المرور بداية تعامله مع " عم كرم" سائق السيارة ، وعلى الفور أخرج الرخص قائلاً:" إتفضل يا أفندم " ، حملق الشرطى فى الرخص فلم يجد فيها أى مخالفات ، وجال يميناً ويساراً حول السيارة فلم يجد بها أى مخالفات أيضاً ، عائداً إلى قائد السيارة وفى يده دفتر المخالفات ، بعد أن نزع منه إيصالاً على بياض ب" خمس وعشرون جنيها ً" قائلاً :" يلا يا أخويا عليك غرامة بخمسة وسبعون جنيهاً ، شخلن جيبك " ، إشتاط " عم كرم" قائلاً:" ليه بس يا باشا ، هو أنا عملت أيه مخالف علشان أدفع الفلوس دى " .
رد عليه الشرطى :" أخلص يا إبنى ورانا شغل " ،وبما أن عم كرم رجل أمى لا يجيد الكتابة ولا القراءة ، وبطبيعته الفطرية يهاب دائماً رجال الشرطة ، لم يتردد لحظة وأخرج " محفظته " فلم يجد بها إلا بعض الجنيهات الحديدية التى تبقت من مصاريف يوم أمس ، وبكل حزن وأسف نظر إلى " الزبون" قائلاً :" معلش يا عم الحاج أدينى 75 جنيه ونتحاسب بعد التوصيلة" ، أخرج الزبون النقود وأعطاها للشرطى .
أشعل " عم كرم " موتور سيارته متجها ً إلى مطار أسيوط ، وفى يده إيصال المرور ، وهو يردد كلمات :" أصبحنا وأصبح الملك لله ، حسبى الله ونعم الوكيل " ، وعندما وصل إلى بوابة المطار إذ بحارس الأمن يستوقفه وفى يده دفتره الأبيض قائلا:"رسوم الدخول خمسة جنيه ياأخ" ، لم يتردد لحظة فى دفع الخمس جنيهات ، وهو يقول :" يوم يعلم بيه ربنا" ، وبعد الدخول أراد أن ينزل متعلقات الزبون ، فركن يميناً وبمجرد نزوله من سيارته إذ بأحد أفراد الأمن يقول له " خمسة جنيه يا أخ رسوم الوقوف" ، فنظر إليه ، قائلا:" اتفضل يعنى جات عليك أنت " وخرج من مطار أسيوط عائداً إلى منزله ، وهو فى غاية الحسرة والندامة أن خرج فى هذا اليوم ، ولكنه كان مجبراً لأنه مسئول وراع عن أسرة مكونة من سبعة أفراد ، وفى طريقه للعودة إذا ب" كمين مرورى " يستوقفه عند مدخل أسيوط من الناحية الغربية ، " الرخص لو سمحت" – عبارة كلما سمعها السائق إقشعر جسده- ،" إتفضل يا باشا الرخص والإيصال ، لسه مكملتش ساعة دافع 75 جنيه " فنظر الشرطى إلى الرخص والإيصال ، فوجده بخمس وعشرون جنيهاً ، فصاح فى السائق :" إنت بتضحك علينا يا روح أهلك ، الإيصال ب25 جنيه " ، صاح "عم كرم" قائلاً :" والله دفعونى 75 جنيه على الصبح ، وأنا معرفش أقرأ ولا أكتب ، وإستجهلونى منهم لله ". تركه الشرطى بعد أن قال له كلمات " القانون لا يحمى المغفلين ". وظل السائق طيلة الطريقة يُردد عبارات " القانون لا يحمى المغفلين"، " حسبى الله ونعم الوكيل " ..
مأساة يتعرض لها المواطن الأسيوطى يومياً مع " التزاكر " ولا يعلم فى حصيلة من تصب هذا المتحصلات المالية ، وزارة الطيران المدنى ،وتتبعها الشركة المصرية للمطارات وبالتحديد قطاع الشئون المالية تقوم بتحصيل رسوم مالية دونما ذكر إسم المواطن أو توقيعه ، وإدارة المرور تقوم بتحصيل أموالاً من المواطنين من أجل تحسين الخدمة المرورية فى أسيوط بإيصالات على "بياض" ، ودون توقيع المواطن ، وبزيادة أضعاف ما هو فى الإيصال للأميين ، فى وقت تنعدم فيه جميع الخدمات المرورية فى المحافظة ، فيا هل تُرى سيظل المسئولين فى مصر يستجهلون المواطنين البسطاء ، وهل سيكون هناك فعلاً مصب لهذه الأموال لتحسين أوضاع الدولة فى وقت تحتاج فيه إلى المساندة من كل أبنائها ، أم أنه سنظل نُردد عبارات " إذا كان رب البيت بالدف ضارباً".
على شاكر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق