الجمعة، 17 أبريل 2015

أتحدث إليكم من أسيوط:الثقافة الغائبة عن ثلاثة أرباع مصر!

http://www.ahram.org.eg/Media/News/2015/4/16/2015-635647977926326729-632.jpg
أتحدث إليكم من أسيوط ، كما يتحدث مراسلو وسائل الإعلام من دول أخرى . لأضعكم فى أجواء نادرة من حيوية ثقافية مفتقدة فى مصر ، وبالتحديد فى ثلاثة أرباعها . أعنى كل مصر باستثناء العاصمة وأحيانا الإسكندرية . بل واقع الأمر أن النشاط الثقافى فى هذه العاصمة يتركز فى وسطها مع ضم حي الزمالك لهذا الوسط . أما باقي محافظات مصر فتعانى قحطا ثقافيا بشكل عام ، وقحط نشاط وزارة الثقافة ممثلة الدولة بشكل خاص ، باستثناء ومضات قليلة متناثرة من مواقع تابعة لهيئة ديناصورية اسمها قصور الثقافة . وباستثناء هذا الاسثناء الصغير فلا مسرح ولا سينما ولا فنون تشكيلية ، طبعا ولا أوبرا ولا غناء و لاموسيقى لا عربية ولا كلاسيكية ولا حتى موسيقى حسب الله . هل تذكرونها ؟ لقد انقرضت بفضل جهود وزارة الثقافة في « الفشخرة » بإنفاق مليارات الجنيهات على مدى عشرات السنين على حجر لا يحييه أحد لأنها لم تهتم بالبشر . ومن فضلكم لا يعني شئ أن يرد أحد على كلامي هنا بكلام مردود عليه مثل : « كيف تقول ذلك وقد كنت من قيادات الوزارة على مدى أكثر من عشرين عاما ؟ » فإن قلتم قلنا . إذن أتحدث إليكم من أسيوط . لأن فيها واحدا فنانا تشكيليا رائعا مدهشا وطنيا مخلصا أكثر من وزراء ثقافة عرفتهم شخصيا ، ينفق من جيبه ومن جيبه فقط ، منذ خمس سنوات على مهرجان ثقافى متكامل الفروع ، يقيمه كل عام فى هذه المدينة ، التى أطلق عليها تعبيرا جميلا أحببته أيما حب بصفتى أنتمى إليها : « أسيوط كنز الجنوب «. هذا الرجل الكنز أيضا هو الفنان سعد زغلول الذي عرفته وأنا طالب فى المرحلة الثانوية فى قصر ثقافة أسيوط . كان هو فنانا تشكيليا شابا يبدع ويعرض فى القصر ، عندما كانت هناك قصور ثقافة جماهيرية فعلا. ارتبط فى حياتى وعلاقتى التاريخية بـ « الثقافة الجماهيرية » ، وقد كان هذا اسمها الذي كان على مسمى ، قبل أن يغيره وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى إلى « قصور الثقافة « لأنه بطبيعته يحب القصور ، ارتبط فيها بـ « أستاذين سعدين « . أولهما تاريخيا هو سعد زغلول ، وثانيهما هو سعد الدين وهبة الكاتب المسرحى والشخصية الفذة والبناء الأكبر للثقافة الجماهيرية . من يذكره اليوم ممن صنعهم على الأقل ؟ سعد زغلول يدعو كل عام حوالى عشرين مبدعا من القاهرة والإسكندرية وغيرهما ، ينقصون أو يزيدون حسب الأحوال . ليقيموا فى مدينة أسيوط لثلاث ليال . يدفع تذاكر القطار فى الدرجة الأولى ذهابا وعودة وتكاليف إقامتهم فى الفندق كاملة . ويوفر لهم باصا وسيارة يتحركون بها . كل هذا من حر ماله وهو ليس بثرى . كما أنه لا يغسل أمواله ولا سمعته ، بإقامة مؤسسات باسمه تجرى مسابقات وتمنح جوائز بمئات الآلاف من الجنيهات سنويا من فائض أرباح الفساد . سعد زغلول « على الله « يحب هذا البلد بـ « نظافة « ويؤمن فعلا بالثقافة ضرورة لا بديل عنها لتقدم الوطن . لذلك أحرص ويحرص غيرى من شرفاء هذا الوطن على الذهاب إليه والوقوف معه وخلفه . خلال أيام مهرجان « مؤسسة سعد زغلول للفنون والحرف التقليدية « يقام معرض تشكيلى . هذا العام خطا خطوة جديدة بإقامة معرض للنحت ، جمع فيه أعمالا نحتية لسبعة عشر نحاتا مصريا من المرحومين الكبيرين محمود موسى ومحمد هجرس وإلى الشابتين الصعيديتين أمانى زيدان وهند الشريف . مرورا بالمشاهير أمثال أحمد عبد الوهاب وعصمت داوستاشي والسيد عبده سليم وطارق زبادى وغيرهم من أجيال مختلفة وأصول مصرية متنوعة . ولك أن تتخيل صعوبة نقل أعمال نحتية من محافظات مختلفة إلى أسيوط وبعضها قابل للكسر . بل وأقيمت ندوة بعنوان « محمود مختار ومائة عام من النحت « مع المعرض . كنت أتمنى على صديقى الدكتور عماد أبوغازى أن يلبى دعوة المؤسسة ويشارك بتمثال أو أكثر مما يقتنيه للرائد محمود مختار ، لولا ظروف شرحها لي . ومع ندوة مختار التى أجادت فيها الناقدة الدكتورة أمل نصر وصديقى المخضرم الناقد عز الدين نجيب فى شرح جوانب مختلفة من فن مختار ، أقيمت ندوة أخرى عرض فيها النحات السكندرى طارق زبادى فى عيده السبعين لتجربته مع النحت . وبمناسبة أعياد الميلاد احتفلنا بالعيد الماسى لعز الدين نجيب وأردت تبخيره . كدت أنسى ذكر الكتاب الذى أعده صديقى الفنان التشكيلى أحمد الجنانيى عن احتفالية النحت فى المهرجان وطبعه الأستاذ سعد على نفقته الخاصة أيضا ووزعه مجانا . وكأننا نذهب لأسيوط لنرى ما لم نتمكن من رؤيته فى القاهرة أحيانا . فهذا العام استمتعت بفيلم الدكتورة إيمان مهران ، العاشقة للحرف التراثية ، التسجيلى « حراس النيل « . وسجلت فيه تجربتها مع أطفال الأقصر الذين ينحتون نماذج من آثار أجدادهم الفراعنة . وهو عمل جديد ومتميز وفتح مواجع على جانبيه . وممن لا نراهم فى القاهرة بالطبع أطفال أسيوط الذي يقيم لهم المهرجان ورشة كل عام يرسمون فيها على راحتهم ، يشرف عليها ويقوم بتعليم الأطفال فيها الناقد الفنى محمد كمال ، الذى سعدت باكتشافه ناقدا منذ نحو عشرين عاما من خلال مسابقات «الجمعية المصرية لنقاد الفن » التى كنت أحد مؤسسيها وسكرتيرها وأحد رؤسائها . لقد عشت فرحا حقيقيا وسط عشرات الأطفال وعشرات آخرين من أمهاتهم فى هذه الورشة . تمنيت فيها لو كانت على أيام طفولتى فى منفلوط لأتعلم الرسم ربما بدلا من الكتابة . هذا إن كنت موهوبا !! فى أيام مهرجان « الأستاذ سعد « تسمع الشعر . كثيرا من الشعر من أنحاء مختلفة من مصر ، بالفصحى وبالعامية ، لأسماء معروفة وأخرى شابة . هذا العام سعدت باكتشاف « الجنوبى جدا « الشاعر الأقصرى « حسين القباحى » بضم الجيم ، والذى يقطر شعرا سلسالا وأقصر . إقرأ مثلا أول بيت من أول قصيدة من أحدث دوواينه « من أحاديث الكباش « : « تثاءبت حتى اقتلعت النخيل». وليعذرنى أصدقائى الشعراء الآخرين الرائعين المشاركين لضيق المساحة ، ولأننى لا أكتب تقريرا . بالطبع لا يستقيم المهرجان دون أن نسمع فى بداية أيامه وختامها المغنى والموسيقى الثورى والشاب دائما « أحمد إسماعيل » ، الذى جمع تراث الأغنية الوطنية المصرية غير الرسمية فى صوته وألحانه وأدائه . أرأيتم ماذا يفعل واحد من المبدعين الشرفاء فى قلب الصعيد ؟ وحده وحب أسرته العزيزة وحب الناس . فدلونى على واحد مثله فى مدينة أخرى وأنا أكتب عنه بأفضل مما كتبت عن « الأستاذ سعد». 

وإلا سأظل أتحدث إليكم من أسيوط . 

 سمير غريب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

البقاء لله .. وفاة مواطن واصابة عمه بطلقات نارية من ضابط بقرية الزاوية باسيوط وغضب الأهالى من ظلم الداخلية فى اسيوط

المواطن حسن مش إرهابى لكنه إنسان  كل جريمته انه مواطن غلبان خاف من حضرته فجرى راح ضربه بالنار ----------------------------------...