اعتزاز السكان بقريتهم جعلهم يطورون من طبيعتها لتكون واجهة وقبلة محترمة للوفود السياحية التي تزور الدير
■ القرية تتميز عن غيرها بزيارة العائلة المقدسة التي طوقتها تسابيح الرهبان وترانيم السماء وشملت ببركتها كل من جاورها
■ من رحمة القدر بالقرية أن يكون ضرر السيول أقل وطأة عليها من «درنكة الأم» بسبب حماية سور الدير لها
لا توحى قسوة الطريق الممتد بطول جبل أسيوط الغربى الوعر، أن في قلبه شيئا من السكينة المستمدة من قدسية وسلام وروحانية تجلت في زيارة العائلة المقدسة التي سكنته وعمرت ما حوله من أرض.
هناك في حضن الجبل «القاسي» يقبع «دير العذراء» بدرنكة بارتفاعه الشاهق «100 متر عن سطح الأرض»، وعرضه المنبسط على مساحة 25 فدانا، بمغاراته وأبنيته وكنائسه، قامت على ضفافه قرية «دير درنكة» التي حملت اسمه، بعد أن نزل سكانها الأقباط من المغارات الطبيعية التي تشكلت مع مرور الزمن، وتوطنوا حول الدير لينهلوا من بركته والسلام الذي يطوقه، حالهم حال باقى الأديرة المنتشرة على طول خط الجبل. «دير درنكة» بما تمثله من قيمة دينية وتاريخية وسياحية، لا تختلف كثيرا عن ملامح القرية المصرية البسيطة، بطبيعتها الجغرافية وأرضها الزراعية، وبساطة سكانها، فالطريق خال وطويل والهواء راكد ورطب، والصمت ثقيل إلا من أصوات حوافر البهائم البطيئة، وطنين لا ينقطع من الذباب والبعوض الذي غطى البرك والمستنقعات التي خلفتها مياه الصرف، وتسربت من الآبار التي زرعها أهل القرية في قلب بيوتهم، بما يهدد بانهيارها فوق رءوسهم، ناهيك عن الأمراض التي فتكت بأكبادهم، هذا كله بعد أن ضنت الدولة بإنشاء محطة معالجة ورفع للصرف الصحي، دونا عن بقية قرى شمال أسيوط، بحجة «مفيش ميزانية».
«البوابة» كانت في قلب «دير درنكة» القرية والدير، استمعت لشكوى أهلها الذين يعيشون فوق بركة لا تنتهى من الصرف.
يقع دير العذراء بالجبل الغربى لمدينة أسيوط على ارتفاع ١٠٠ متر من سطح الأرض الزراعية، ويبعد عن المدينة عشرة كيلو مترات تقطعها بالسيارة في مدة ربع الساعة، وللذهاب إلى الدير يعبر الزائر بالمدينة غربا حتى يرى نفسه في مواجهة جبل أسيوط وعنده يتجه جنوبا ثلاثة كيلو مترات أخرى إلى قرية درنكة ثم يتجه نحو الطريق الصاعد إلى الجبل مسافة كيلو متر، وفى نهايته تصل السيارة أمام أبواب الدير، كما يمكن للزائر أن يصل إلى الدير عن الطريق الدائرى الذي يبدأ عند الكيلو ٣ قبل الدخول إلى مدينة أسيوط من الجهة الشمالية وعند الكيلو ٤ من الجهة الجنوبية.
"العائلة المقدسة".. بركة الجبل الغربي
في سنة ٤ ميلاديا، تباركت أرض أسيوط وتحديدا قرية «درنكة» بزيارة العائلة المقدسة، التي عاشت وسكنت بدير العذراء بجبل أسيوط، الذي كان في السابق مغارة كبيرة، بعد أن دخلت «المسيحية» إلى أرض مصر، وبدأ الناس يتوطنون حولها في المغارات الموجودة في حضن الجبل، واستغلوا الأراضى المحيطة حولها وزرعوها، وأصبحت الزراعة هي مصدر رزقهم، ومع انتشار الدين المسيحى في مصر تحولت المغارات إلى أديرة وكنائس، وهبط الناس إلى أسفل الجبل.
قرية «دير درنكة»، قديمة بقدم الدير نفسه ونالت اسمها منه، كانت في الأساس عبارة عن بعض المغارات المتلاصقة يقال إن النبى يوسف، كان يستخدمها لتخزين الغلال في سنوات المجاعة، نظرا لقربها من الأراضى الزراعية.
مع الوقت زادت أعداد الأديرة بطول خط الجبل الغربى «درنكة وريفا والجنادلة»، وسميت القرى المحيطة بها بأسمائها، وأصبحت المنطقة كلها تملؤها الروح القدس، حيث ورد على لسان الأب يوحنا كآسيان «المسافر تحت سفح الجبل، لا يتوه من تسابيح الرهبان» الممتدة حتى دير الأنبا شنودة بسوهاج. ينتشر بطول الجبل الغربى الذي يحتضن الدير بعض الآثار الفرعونية التي لا تزال تحتفظ بنقوشها وحفائرها، والتي تمتد من أسيوط حتى سوهاج.
"أيساك" راعي الأقباط الصالح
رغم عمره الذي لم يتجاوز الأربعين، إلا أن لكلمته صدى بين أبناء القرية الصغيرة، يجلس إليهم ويستمع لمشاكلهم فيحسن إليهم بالنصيحة والقول الطيب.. القس إيساك قضى ٨ سنوات منها في كنيسة الملاك، بعد أن تنقل في مناصب كنسية عديدة كان آخرها في القرية، التي أصبحت شاغله طيلة تلك الأعوام، رغم أنه ليس من أبنائها.
«إيساك» يتحدث عن تاريخ القرية القديمة التي تتميز عن غيرها من قرى أسيوط، بزيارة العائلة المقدسة لها، ولم تغادرها بعد ذلك، وطوقتها تسابيح الرهبان وترانيم السماء التي شملت بركتها كل من جاورها، يحكى «رومانى جاك» «الاسم السابق قبل الكهنوت»: «أهمية دير درنكة مستمدة من زيارة العائلة المقدسة، حيث كان هذا آخر مكان استقرت فيه العائلة التي جاءت في الأساس من القوصية، عن طريق النيل ورجعوا للقاهرة ثم إلى فلسطين، وعاشت في المغارة الأساسية الموجودة حاليا في الدير»، ويضيف: «في الأربعينيات وضع الدير على الخريطة السياحية لمحافظة أسيوط، وفى ناس كتير من أصول مختلفة، استوطنت القرى اللى حوالينا، واللى فيها أديرة أخرى زى ريفا والجنادلة، وجميعهم عايشين على الزراعة، وكانوا يتعبدون في نفس الوقت في الأديرة».
القس إيساك يحفظ تاريخ المنطقة بكل كنائسها وأديرتها عن ظهر قلب، وشاهد على أهم الأحداث التي وقعت بها، ربما كان أهمها سيول ٩٤ التي أغرقت ٦٠٠ بيت وسوَّتها بالأرض، يحكي: «درنكة الأم تضررت بشكل كبير، بعد السيول اللى نزلت من على سفح الجبل، واللى كانت محملة بالطين والحجارة، وقوة اندفاع المية ضربت خزانات البترول، فولعت نار وبقت النار فوق المية، ونزلت على درنكة حرقت البيوت والناس ماتت، ودمرت القرية كلها».
من رحمة القدر بقرية «دير درنكة»، أن يكون ضرر السيول أقل وطئا عليها، بسبب حماية سور الدير لها، يوضح القس إيساك: «وجود دير درنكة أسفل دير العذراء حماه من نار السيول، فسور الدير الممتد بطول الجبل منعها من الغرق والخراب، خاصة أن بنية البيوت ضعيفة، فأغلبها مصنوع من الطين اللبن، وبعد كدة الدولة أنشأت للناجين من الكارثة دي بيوت جدية على أرض جديدة سموها درنكة الجديدة، أو درنكة السيول».
وجود دير العذراء جعل لـ«درنكة» قيمة سياحية كبيرة، خاصة أنه يعد من أهم المزارات السياحية في أسيوط، خاصة مع بدء الاحتفالات بمولد العذراء المخصص لها شهر أغسطس من كل عام، حيث يزوره أكثر من ٢ مليون مريد، ما يزيد الأمر صعوبة على سكان القرية البسيطة، بطرقها غير المعبدة التي تشوه المنظر العام، وعدم استيعابها لكل هذه الأعداد الغفيرة من البشر، إلا أن حالة السلام التي تغلف المنطقة، تدفع سكان القرية إلى فتح بيوتهم للغرباء القادمين من كل بقاع الأرض للاحتفال.
يستطيع القس إيساك بحكم اختلاطه بأهل القرية، تحديد طبيعتهم الاجتماعية والثقافية، كما أن سكانها يلجئون إليه للفصل في مشكلاتهم، التي يصفها بالبسيطة، يوضح: «القرية هادية جدا، بحكم وظيفتى كرجل دين، لفيت أماكن كتير في أسيوط، إلا أن درنكة لها تركيبة خاصة، مشاكلها لا تتعدى روتين الحياة والمشاكل اليومية العادية بين الجيران، والعائلات عددها قليل وعارفة بعضها.
ويكمل: «زمان الناس لما بتحصل بينهم مشاكل يروحوا يشتكوا للكنيسة وتبقى كلمة أبونا هي القانون، لكن دلوقتى الناس اتغيرت بحكم الوقت، والتمدن اللى وصل للقرية بالاختلاط، ويمكن درنكة من القرى اللى على طول خط الجبل اللى بتقبل التغيير الثقافى بسرعة كبيرة»، ويتابع: «في السنوات الأخيرة ناس كثر جاءوا بنوا بيوت وعاشوا في القرية، وهناك نازحون من الأحياء الفقيرة في أسيوط، فضلوا آن يعيشوا هنا جمب الدير، لتدينهم واعتبارهم أن التقرب ده بركة وأمان».
"العمدة مكرم".. شيخ "درنكة" الحزين
يجلس في بيته المتواضع، الذي لا يشبه في تصميمه بيوت «العُّمد» التي نشاهدها في المسلسلات الصعيدية، يلتف حوله العديد من أبناء قريته البسطاء، يتبادلون الحديث في شئون القرية الحزينة، المهددة بالانهيار في أي لحظة.
مكرم منياس عمدة قرية دير درنكة، تجاوز العقد السابع من عمره، قضى حياته كلها في خدمة القرية وأبنائها، وما زال يفعل.. أكثر ما يؤرقه ويحزنه، المصير الأسود الذي ينتظر القرية التي تعيش فوق بركة من الصرف الصحي، الذي يهدد أساساتها والبنية التحتية للبيوت المتواضعة فيها.
اعتزاز السكان بقريتهم ذات الخلفية الدينية والتاريخية، جعلهم يطورون من طبيعتها، ويغيرون من شكلها لتكون واجهة وقبلة محترمة للوفود السياحية التي تزور دير العذراء، فبعد أن قضوا سنوات في الغربة بحثا عن الرزق، عادوا إلى أرضهم، وبنوا بيوتا جديدة بالأسمنت لا تتجاوز الثلاثة أدوار، فضلا عن أن القرية دخلت إليها خدمات التعليم والصحة والإنارة والبريد، يقول «مكرم»: «جزء كبير من السكان هاجر بحثا عن لقمة العيش إلى القاهرة والإسكندرية، وربنا أكرمهم ورجعوا بنوا بيوت بالحديد المسلح».
ويتابع: «نظرا لقربها من أماكن مقدسة وقيمتها السياحية العالية، كان لازم القرية تكون واجهة لائقة للقيم دي، فبقى في ٢٠٪ مساكن جديدة، والباقى بالطوب اللبن، التجديدات اللى حصلت في القرية، خلت في زيادة في الصرف، وإحنا أصلا معندناش بنية تحتية للصرف الصحي، وابتدى السكان الجدد يعملوا آبار للصرف في الشوارع قدام بيوتهم، فتشبعت الأرض بالمياه وأصبحت القرية مع الوقت عائمة على بركة مياه، غرقانين في المجارى والرائحة الكريهة والأمراض والحشرات، إحنا مهددين بانهيار جماعى ودى كارثة كبرى»، ويضيف: «القرية لقيمتها الدينية احترمها كل الرؤساء اللى تعاقبوا على الحكم، وبقى فيها كل الخدمات من مدرستين إحداهما للتعليم الابتدائى والأخرى للتعليم الإعدادي، ومستشفى كويسة ومكتب بريد لصرف المعاشات، وجمعية زراعية لخدمة الفلاحين، لكن تظل المشكلة الحقيقية للقرية إن مفيش شبكة صرف صحي، لأنه بدون صرف القرية ليس لها وجود».
محافظة أسيوط، قررت عمل شبكة صرف صحى لقرى شمال أسيوط، من ضمنها «دير درنكة»، من تمويل البنك الدولي، وبعد معاينة قامت بها الشركة المختصة تم تخصيص أرض لبناء محطة رفع تنقذ القرية من الحالة البائسة التي تغرق فيها، يقول «العمدة»: «من سنتين اتقال إن هيتعمل صرف صحى لـ ٧ قرى، من تمويل البنك الدولي، وطلبوا ٧ أفدنة لبناء محطة التحلية، وخدوا مننا أرض زراعية يبنوا عليها محطة للرفع، وجاءت الشركة والمهندسون المسئولون وعاينوا الأرض ولاقوها مناسبة للمواصفات الخاصة بيهم، وصدر قرار ترخيص البناء من مجلس الوزراء من ٦ شهور تقريبا، وبعدين البنك الدولى نزل مناقصات لخمس قرى شمال أسيوط هي: موشا، وريفا، ودير ريفا، والزاوية، وشطب، ما عدا درنكة الجديدة ودير درنكة بحجة إن مفيش ميزانية والفلوس خلصت، إزاى المحافظة عايزة تعمل تشجير وإنارة للشوارع، والناس غرقانة في المجاري، الأولى إنهم يعملوا شبكة صرف وبعدين يفكروا في الكماليات دي».
ويتابع بغضب: «قرية الزاوية مخصص لها ١٠٠ مليون و٤٠٠ ألف جنيه، وموشا وريفا معتمدين لهما ١٠٠ مليون و٦٠٠ ألف جنيه، ودى حجة تكسف، أمال إحنا فين، في حين إن الصرف عندنا ما يكلفش ١٥ مليون جنيه»، ويضيف: «كل أملنا إدماج القرية ضمن المشروع الممول من البنك الدولى «ISSIP ١١» وهو المشروع المتكامل الثانى للصرف الصحى بأسيوط».
كبير مراقبي الصحة: "زيكا" على الأبواب
يلتقط الحديث كبير مراقبى الصحة بالقرية «رءوف رايد»، الذي قضى ٢٠ عاما في «صحة» قرية الزاوية، و١٥ عاما في خدمة قرية دير درنكة، شارحا كارثة الصرف التي تعانى منها الأخيرة، موضحا كيفية تجمع الصرف الصحي، وفقا لسلوكيات أهل القرية، الذين بنوا آبار «بيارة» أمام أو داخل بيوتهم يصرفون فيها مخلفاتهم، يوضح «رءوف»: «الناس عملت في بيوتها آبار تصرف فيها المجارى والمخلفات، ودى عبارة عن حفرة عميقة في الأرض قدام باب البيت أو جواه، وعاملين مواسير بتوصل على البير، ولما بيتملى بيغرق الدنيا».
بعد أن تزيد حمولة «البير» من الصرف المتجمع به، تخرج المخلفات إلى الخارج، مما يسبب غرق البيوت وتشبع التربة بها، فضلا عن الروائح الكريهة والذباب والبعوض.. اعتادت القرية على زيارة سيارة الكسح، التي تسحب المخلفات بأنابيب طويلة كل أسبوعين، ثم تلقيه في منطقة صحراوية تقع بين قريتى «درنكة» و«دير درنكة»، وهو الأمر الذي يهدد بكارثة أخرى، يشرح كبير مراقبى الصحة: «البيارة دى الناس بتعملها على حسابها، البير بيكلف من ٥ لـ١٠ الآف جنيه، وعربيات الكسح اللى بتبعتها الوحدة المحلية بتشفط الصرف مرة كل ١٥ يوما من البيوت، بتاخد من الناس في المرة الواحدة ٢٥ جنيها، والبير بيتفضى على ٣ مرات، يعنى ٧٥ جنيها من البير الواحد، وتاخد المخلفات وتروح ترميها في أرض صحراوية جبلية فاضية بين درنكة ودير درنكة، بالتدريج المخلفات بتتراكم على بعضها، وبتعمل حشرات بترجع على البلد من تاني، في هيئة روائح وأمراض مختلفة حسب ما يكون عليها بكتيريا وحشرات».. البعض من أهل القرية لا يستطيع حفر «بيارة» في الأرض، لتكلفتها العالية، فيلجأ إلى توصيل أنابيب بلاستيكية تخرج من المنزل إلى براميل خارجية، تلقى فيها المخلفات.
أبرز الأمراض المتوطنة في «دير درنكة» الكبد، وفيروس سى والفشل الكلوي، والتي تنتشر بين قطاع كبير من أهل القرية: «أغلب الناس عندهم فشل كلوى وأمراض كبد، وكل الأمراض الجديدة اللى زى فيروس زيكا، الحمد لله مش موجود عندنا زى م اتقال، لكن ممكن طبعا يوصل بسبب الذباب والبعوض من الصرف اللى مغرق القرية، وبنروح نعمل محاضر في المحافظة بس مفيش فايدة، ولما نيجى نكلم الناس على الآبار اللى هم عملينها، يقولوا نعمل إيه، نشرب المجارى دى يعني!».
رغم حالة الصرف السيئة التي تضرب القرية، إلا أن وحدة صحة الأسرة التي يرأسها «رءوف»، تستطيع أن تقدم كل الخدمات الطبية على مستوى عال، يقول: «إحنا عندنا وحدة صحة الأسرة في القرية بتخدم التعداد الفعلى من السكان المقدر بـ٤٣٤٧ من أهل القرية الأصليين، ونحو ٢٥٠٠ شخص من النازحين من القرى المجاورة لكنهم مقيمون في دير درنكة، الخدمات ما بين تطعيمات ومراقبة أغذية وعلاج وكشف، الوحدة فيها دكتور بشرى و٢ دكاترة أسنان وصيدلى ومعمل، وفيها ٤٠ موظفا».
"عشم الله".. المعلم
على مدى ستة عقود، حمل راية العلم في القرية، واستطاع بمجهوداته الحثيثة مع هيئة الآباء الفرنسسكان الإعدادية، بناء أول مدرسة تدعمها الكنيسة الكاثوليكية في قرية دير درنكة، ووفر لها كل المستلزمات التعليمية من فصول ومدرسين.
«دير درنكة» تحتوى على مدرستين ابتدائى وإعدادي، الأولى حكومية، والثانية خاصة، حظيت كل منهما ببناء ملائم للعملية التعليمية، إلا أن التعليم بمرور الوقت، بعدما ألغى ما كان يسمى بـ«التكليف» في حالة عزوف من قبل الطلاب وأولياء أمورهم.
عشم الله فايز، مدير مركز الفرنسيسكان الخاصة، يقول: «الاهتمام قل بالتعليم من وقت إلغاء أمر التكليف اللى كان موجود زمان، الناس كانت بتتعلم عشان تلاقى وظيفة واللى كان بيخلص تعليمه بيتعين على طول، لكن لما لغوا التكليف سنة ٨٤، قل الإقبال على التعليم، والناس بقت بتخرج عيالها من المدارس عشان يساعدوهم في لقمة العيش.
يتحدث «عشم الله» عن الخدمات الموجودة بمدرسته، قائلا: «مدرستى فيها نحو ١٧٩ طالبا، و١٠ فصول، و٢١ مدرسا، وفيها وسائل تعليمية حديثة وأجهزة كمبيوتر، وهيئة الآباء الفرنسيسكان هم اللى بيدعموا المدرسة ماديا، لتبعيتها لمطرانية الأقباط الكاثوليك في أسيوط، وهى اللى بتدفع مرتبات المدرسين وكل التكاليف المتعلقة بالمدرسة».
من يريد استكمال ثالث مرحلة من تعليمه «الثانوي» عليه ارتياد مدرسة موجودة بقرية ريفا، التي تبعد عن «دير درنكة» مسافة لا تقل عن ساعة.
"سميح".. التاجر الحكيم
كحال كل القرى التي قامت على ضفاف النيل، كانت أرض «دير درنكة» الخصبة، عامرة بالمحاصيل الزراعية المختلفة عاما بعد عام، من قطن وقمح وذرة وبصل وفول وغيرها من المحاصيل الاقتصادية، كان ذلك حتى توقف «التسويق التعاوني»، الذي كان يعتمد على فرز المحاصيل وتنقيتها ونقضها، وفتح آفاق لبيعها من خلال الاستيراد والتصدير، ومع الوقت انهار اقتصاد «دير درنكة» من الزراعة، بعد أن قلت المساحات المزروعة وترك الفلاحون أراضيهم.
سميح حكيم قضى سنواته السبعين مشرفا على أراضى القرية، ويتابع محاصيلها وبذورها وريها حتى عمليات زرعها وقلعها، باعتباره مسئولا عن الجمعية الزراعية، يتحدث بأسى عن الحالة المزرية التي وصلت لها الزراعة وما تبع ذلك من سوء أحوال الفلاحين، يقول: «التجارة في دير درنكة قايمة على الزراعة، والتجار هم اللى بيتحكموا في السوق، وزيادة المبيعات أو قلتها معتمدة عليهم».
ويضيف: «أيام التسويق التعاونى كان الوضع أحسن من دلوقتي، كانت بتيجى شركة زى النيل لتصدير الحاصلات الزراعية، تتابع المحاصيل عن طريق المندوبين بتوعها، والفلاحين يلموا المحاصيل ويودوها مركز تجميع، فتقوم الشركة بفرز المحاصيل وتشكل لجنة ثلاثية تفحص المحصول وتنقضه، محاصيل زى البصل والقطن والقمح».
حجم المحاصيل الزراعية التي تشتهر القرية بها شهدت تراجعا كبيرا في إنتاجها وكميات زراعتها، يشرح «حكيم»: «القطن دلوقتى قل جدا في القرية، كنا زمان بنزرع نحو ١٥٠ فدانا بالقطن، دلوقتى مبقاش في ٢٠ فدانا، بسبب عدم وجود تسويق، والبصل كمان قل جدا، كان ٢٠٠ فدان، دلوقتى مفيش ٥٠ فدانا، كل المحاصيل كان فيها توريد دلوقتى انخفضت جدا لعدم وجود التسويق التعاوني».
أسماء المحلاوى
أحمد أبو عوف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق