ترسخ لدى الغالبية منذ عشرات السنين، أن الحركة النسائية في مصر تنحصر في العاصمة، وأضحت “المركزية” تهمتها الأولى، حتى في ظل تواجد فروع للمجلس القومي للمرأة وعدد من منظمات ومؤسسات المجتمع المدني في مختلف المحافظات، لربما لمحدودية الأثر والتأثير.
لكن ثمة شيء ما تغير بعد ثورة الـ25 من يناير، بعد أن قررت فتيات من قلب المحافظات المصرية والجنوبية من بينها، كسر القيد، وفك اللجام، لمواجهة قمع الثقافة المجتمعية إلى جانب قمع السلطة، في موجة عاتية من التمرد اجتاحت مصر من أقصاها إلى أدناها.
ترجمة هذا التمرد جاءت في هيئة كيانات مستقلة تشكلت لأهداف متباينة، لكن جميعها ينضوي تحت عنوان عريض هو “التوعية بالحقوق”.
في محافظة أسيوط، التي تأتي على رأس المحافظات المصرية في معدلات الفقر، وفق بيانات المركزي للتعبئة والإحصاء (2015)، مما يجعلها مرتعًا، للأمية والتسرب من التعليم، وتزويج القاصرات، وغيرها من ظواهر سلبية تعانيها النساء، تقف هناك مجموعة من الفتيات في مواجهة هذا التردي تحت مظلة اخترن لها اسم “هن”.
“هن” مبادرة نسوية تشكلت في عام 2012، على إثر تجمع عدد من الفتيات الأسيوطيات للاحتجاج على مقتل فتاة من نفس المحافظة على يد من تحرش بها، وهي التي عرفت إعلاميًا باسم “شهيدة التحرش”.
شهيدة التحرش هي :
في سبتمبر من العام 2012، «تعرضت فتاة تدعى إيمان مصطفى من قرية الكابلات بأسيوط، للتحرش الجنسي من قبل شخص يحمل سلاحًا اَليًا، وعندما تمادى في تحرشه وتحسس جسدها، صفعته، فجن جنونه وأطلق عليها الرصاص فأرداها قتيلةً في وضح النهار.
حكمت محكمة الجنايات على القاتل بالأشغال الشاقة المؤبدة في يونيو من العام 2013.
تقول “ريم وجيه” العضو المؤسس بمجموعة «هن» “بعد هذه الوقفة، نشرت الصحف أخبارًا، توصفنا بأننا نشطاء سياسيون، وهو ما كان سيمثل مشكلة بالنسبة لنا، إذ يحول ذلك دون تنظيم فعاليات ونشاطات بشأن توعية النساء بحقوقهن في جامعة أسيوط، حيث ندرس كطالبات، وحيث تتوفر الأماكن الأفضل لتنظيم الورش والمؤتمرات، والندوات.”
وتضيف “قررنا تشكيل كيان مستقل واخترنا له اسم «هن»، يضم مجموعة من الفتيات في محافظة أسيوط، وهدفنا التوعية بحقوق المرأة، ودعم النساء بالمحافظة.”
توضح “وجيه” أن مسألة “التحرش الجنسي” تأتي على رأس أولويات عمل المجموعة في الوقت الراهن، مشددةً على أن ما يثار عن أن التحرش الجنسي “يندر” في أسيوط أو الصعيد عمومًا ما هو إلا إدعاء غير صحيح، وتقول “التحرش الجنسي موجود بكثرة في أسيوط ولكن يخفيه المجتمع نفسه، بالسكوت عنه وعدم الخوض في تفاصيله.”
وتكشف أن المشكلة الكبرى التي تواجهها نساء أسيوط تتلخص في كلمة “القهر”، سواء كان القهر داخل نطاق الأسرة أو يمارسه المجتمع.
وتستطرد “ريم وجيه” قائلة “تعاني النساء في المدينة (مدينة أسيوط عاصمة المحافظة) والقرى، ولكن تتباين المشاكل، ففي القرى تبرز مشكلة زواج القاصرات، فقد رصدنا عدد من الحالات، يموت الزوج قبل بلوغ الفتاة السن القانونية للزواج، فلا تتمكن من استخراج شهادات ميلاد لأبنائها، وفي حالات أخرى نتيجة توثيق الزواج عرفيًا، يتهرب الزوج من توثيقه بعد بلوغ الفتاة السن القانونية، علاوةً على ذلك تُجبَر فتيات كثيرات على ارتداء النقاب حتى يلتحقن بالجامعة، فلا انتقال من القرية إلى المدينة حيث الجامعة سوى بالنقاب.”
وعن مشاكل المدينة، تقول “وجيه” “هناك مشكلة مشتركة بين القرى والمدينة، تتمثل في التمييز في التعليم بين الإناث والذكور، حيث يمارس الأهل ضغوطهم على الفتاة لحرمانها من الالتحاق بكلية تحلم بها، لاعتبارات مجتمعية تحدد أن هذه الدراسة للذكور فقط، مثل دارسة الطب والتجارة.”
وتردف قائلة “وثقنا حالة فتاة أرادت الالتحاق بكلية الطب، ومجموعها يستوفي، لكن أسرتها رفضت، بحكم أن الفتيات غير مسموح لهن بقضاء الليل خارج المنزل حتى لو لدراسة أو عمل، بالإضافة إلى حالات لفتيات تتم خطبتهن كمساومة حتى يتمكن من مواصلة التعليم والالتحاق بالجامعة.”
وتؤكد العضو المؤسس بمجموعة «هن»، أنه على الرغم من كل المشاكل والتعسف الذي قد تلاقيه الفتيات الأسيوطيات، إلا أن وعي الفتيات في المدينة تحديدًا ارتفع كثيرًا على عكس القرى، وصرن يعرفن حقوقهن.
تقوم «هن» بحملات داخل المحافظة، ولكن بشروط، فلا يمكن لهن التحرك داخل أي قرية قبل، التوجه إلى العمدة، أو إلى أكبر عائلات القرية، حتى يُسمَح لهن بالتحرك بمصاحبة أحد الأفراد.
وتوضح “وجيه” أن استقبال الناس لحملاتهن يتباين، فهناك من يتقبل الرسائل ويتجاوب معها، وهناك من يرفضها، ومن يعتبر كلامهن “بجاحة”.
أما عن تعاون «هن» مع المنظمات النسائية داخل وخارج أسيوط، فتشير “وجيه” إلى أن المجموعة تعاونت مع مؤسسة “هيبايتا” المتواجدة بأسيوط، كما تعاونت من خارج أسيوط مع مؤسسات مثل “بصمة الجديدة” و”المرأة الجديدة” و”نظرة للدراسات النسوية”، بالإضافة لذلك تتعاون المجموعة مع اتحاد الطلاب بجامعة أسيوط فيما يتعلق بالفعاليات التي تقام داخل أروقتها، سواء كانت معارض، ورش دعم أو تدريب، وندوات و مؤتمرات.
“المجلس القومي للمرأة وضعه في أسيوط مثل وضعه في أي محافظة أخرى مجرد وجود صوري.” تقول “وجيه” وتضيف “ليس للقومي للمرأة تواجد حقيقي على الأرض، ولم يكن من بين الجهات التي تواصلت معنا للتنسيق أو التعاون.”
من بين أهداف الحملة المعلنة عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إصلاح الجانب النفسي للناجيات من التحرش، وتحقيق العدالة والمساواة.
وعنهما تتحدث قائلة “المستهدفات من الدعم النفسي، لسن وحدهن المتحرش بهن، والمجموعة تتطلع لتقديم الدعم النفسية لكل الناجيات، ولكن للاَسف بحكم أن أسيوط مجتمع منغلق يكثر فيه “المسكوت عنه”، فلا يوجد من يعترفن بوقوع أشكال أخرى من العنف كالعنف الزوجي، أو الاغتصاب، حتى يتسنى لنا دعمهن.”
وتتابع “مسألة تحقيق العدالة والمساواة، نسعى أن نراها متحققة من خلال الفتيات أنفسهن، لذلك نستهدفهن، ونعمل على توعيتهن بحقوقهن، والانتهاكات التي تطالهن وكيف يواجهنها.”
وتواصل “وجيه” كلامها قائلة “قد تكون نسب التجاوب محبطة، لأنها أقل من المتوقع، لكن في النهاية في ظل ظروف المجتمع الصعيدي فهي تعد تقدمًا ولو كان محدودًا.”
فيما يتعلق بالعوائق التي تواجه مجموعة «هن»، تكشف “وجيه” أن الثقافة المجتمعية تأتي على رأسها، لافتةً إلى أن معاداة النساء وتحميلهن مسؤولية العنف الواقع عليهن، ليست مقصورة على الرجال، بل هي ثقافة تملكها نساء أيضًا، وتضرب مثال على ذلك، بفتاة جاءت للانضمام للمجموعة، ورؤيتها تجاه القضاء على التحرش الجنسي، ترتكز على توجيه الفتيات للالتزام بالملبس “المحتشم” حتى لا يتعرضن له، وهي رؤية متجنية على النساء، وتحرمهن من حقهن في الملبس وحرية التنقل بأمان.
في سياق العوائق أيضًا، تضيف”وجيه” “الدعم المادي يعد مشكلة كبيرة، بالإضافة إلى أننا نعاني من مسألة الهيكلة القانونية ولم نتمكن حتى الاَن من تنفيذها نظرًا للأزمة المحيطة بمنظمات المجتمع المدني في الوقت الراهن، كما نواجه تعسف من قبل إدارة الجامعة يعيق تنظيمنا للفعاليات داخلها.”
«هن النور فكوني أنتِ النور» هذه الجملة اختارتها القائمات على المجموعة شعارًا للمجموعة، وتوضح “ريم وجيه” السبب في اختياره قائلة “هذا الشعار يهدف إلى التأكيد على أن المرأة هي النور الذي يقود من حولها، نريد كل فتاة وسيدة قائدة نفسها ومجتمعها.”
رنيم العفيفى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق