لم يكن ارتفاع درجات الحرارة هذا العام كغيره من الأعوام ، بل جاءت حرارة الجو مسرعة لتقتحم منازل البسطاء الذين لا يملكون ما يشترون به أجهزة التكييف مثلا، بعدما ناطحت أسعارها عنان السماء، واضطر المواطنون للتحايل علي حرارة الجو نهارًا لتبدأ حياتهم بعد غروب الشمس، فمعظم المحال التجارية تصل ذروة الحركة التجارية بها بعد الساعة العاشرة مساءً، وتستمر أبوابها مفتوحة حتى الساعات الأولي من اليوم الجديد، أملًا في تحقيق مبيعات تتناسب مع مصروفات وإيجارات تلك المحال، في ظل غلاء الأسعار وعزوف المواطنين عن الشراء مقارنة بالعام الماضي، أو موسم الشتاء المنصرم.
ففي محافظة أسيوط التي يصل فيها الفقر إلى أعلى مستوياته بنسبة تصل إلى نحو 61 بالمائة من السكان، حسب آخر إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في ديسمبر 2016، كان المواطنون على موعد مع موجة جديدة من المعاناة مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل لافت للنظر، حتى وصلت الحرارة إلى 43 درجة، ما جعل من التحرك في الشوارع أمرًا محفوفًا بالمخاطر في ظل ارتفاع أجرة "التاكسي" للضعف رغم خلوه من خدمة التكييف، وربما تكون النتيجة الطبيعية للخروج، إحدى المستشفيات للعلاج من "ضربة شمس".
من جانبه قال الدكتور محمد نوح، وكيل وزارة الصحة بمحافظة أسيوط، في تصريح لـ"مصراوي": إنه يجري تكثيف ندوات التوعية الصحية من خلال عمل إدارة الثقافة الصحية بالمديرية وإدارات الإعلام الصحي بالمراكز، ويتم بشكل دوري تنفيذ ندوات توعية صحية عن الإجهاد الحراري، وطرق الوقاية من ضربات الشمس، وذلك من قبل طبيب الوحدة الصحية وفريق التثقيف الصحي بالوحدة.
ولأن الحاجة أم الاختراع، ابتكر "عماد عبدالرازق حسن"، مواطن من قرية النخيلة بمركز أبو تيج بمحافظة أسيوط، يبلغ من العمر 40 عامًا، جهاز تكييف منزلي، عن طريق الصدفة، لينال شهرة أعادت للأذهان اسم قريته مرة أخرى بعد أن ذاع صيتها بعد القبض علي عزت حنفي "إمبراطور المخدرات"، ومن قبله تلك الشهرة والشرف التي نالتها تلك القرية بانتماء محمد يونس القاضي، مؤلف نشيد "بلادي بلادي"، كما ولد بذات القرية الشاعر محمود حسن إسماعيل، إلا أن "عماد" أعاد اسم قريته من جديد باختراعه لجهاز التكييف المنزلي، وأثبت أن أهالي الصعيد يملكون قدرات إبداعية يمكنها أن تخترع وتبتكر بأقل الإمكانيات المتاحة.
فعماد عبد الرازق جاءته الفكرة عن طريق الصدفة، فمع ارتفاع درجة الحرارة تزداد الحاجة إلى شراء التكييف في معظم المنازل، غير أن الأسعار المرتفعة والتي تفاقمت هذا العام، تقف عائقًا أمام أولياء أمور الأسر خاصة في أسيوط، والتي تعاني من الفقر الشديد، واستطاع بإمكانيات قليلة بعد بحث كبير في تنفيذ جهاز تكييف يتناسب مع الأسر بشكل جيد وسعر زهيد مقارنة بالأسعار الموجودة حاليًا، والتي تصل إلى 5 آلاف جنيه على الأقل، ووفر وحدة التكييف بما يعادل 2000 جنيه بألوان مناسبة لكافة الأذواق.
من جانبه، يقول حسين فوزي، مهندس، من سكان محافظة أسيوط: "أنا معجب جدا بتلك الأفكار التي ينفذها المواطنون البسطاء دون توجيه من أحد وبلا إمكانيات، وأطالب المسئولين بتبنيها وأمثال هؤلاء المبدعين، من خلال إنشاء مراكز للإبداع والموهوبين في صعيد مصر، وعدم اقتصارها على القاهرة والوجه البحري فقط، فالصعيد مليء بمن لديهم القدرات الإبداعية القادرة على المشاركة في إحداث تغيير إيجابي داخل مجتمعاتهم إن أحسن استثمار عقولهم والاهتمام بهم".
اسامة صديق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق