نحن أمام واقعة غريبة ومدهشة لا تحدث إلا نادرا وربما لا تتكرر .. الطبيب شريف رضا مرسى ..تخرج فى كلية الطب عام 2002 عقب حصوله على سنة الامتياز .. وتم تعيينه بمديرية الصحة بأسيوط ..وبعد ثلاثة أيام اضطر لمغادرة المحافظة وبعدها سافر إلى خارج البلاد وعمل طبيبا هناك .. كان المفروض أن تطبق عليه اللوائح والقوانين المنظمة .. لكنه سافر وعاش حـياته وآخرون تركـوه موجـودا وظــل قائما بالعمـل على الـورق.
هذه القصة الدرامية دارت أحداثها فى الخفاء طيلة 14 عاما ..الطبيب يجىء ويغادر ظنا منه أن علاقته بالعمل الحكومى قد انتهت ..ولكن سخرية القدر ساقت لنا الواقعة بمحض المصادفة وكانت النتيجة ان الطبيب شريف رضا أصبح عاجزا عن معرفة حقيقة موقفه فلا هو طبيب فعليا بأسيوط ولا مفصول، والأدهى من ذلك انه لا يستطيع إصدار أوراقه الرسمية لا من الداخل ولا من الخارج .
البداية كشفتها مصادر خاصة لـ»الأهرام» بمديرية الصحة بأسيوط، فقالت: لدينا طبيب لم يره أحد منذ تعيينه عام 2003 ولم يتم فصله ..أخذنا اسم الطبيب شريف رضا مرسى محمود، وبدأنا نتحرى حول الواقعة فى عدة جهات لأكثر من شهر فيما بين مديرية الصحة بأسيوط والجوازات ومسقط رأس الطبيب ..فوجدنا أنه صدر له قرار تكليف فى عام 2003 بالعمل كإخصائى بشرى ثالث بإحدى قرى مركز ساحل سليم بمديرية الصحة بأسيوط وبالفعل أتى إلى محافظة أسيوط وتسلم العمل لمدة يومين ولظروف أسرية خاصة انقطع عن العمل ومن ثم ترك الوحدة الصحية نهائيا دون أن يتقدم بطلب لاستقالته لعدم حاجته للعمل الحكومي، وقرر خوض العمل الخاص وغادر البلاد متوجها إلى دولة الإمارات العربية، وبالفعل انقطع تماما عن العمل منذ 14 عاما سافر خلالها وعاد عدة مرات ومنذ بضعة أيام أرسل والده لكى يقوم بتجديد البطاقة الشخصية الخاصة به وكان من ضمن الأوراق المطلوبة ما يفيد فصله عن العمل بمديرية الصحة بأسيوط وهنا كانت الصاعقة التى وقف أمامها الأب مذهولا حيث وجد والد الطبيب ما لا يصدقه العقل البشرى بأن نجله مازال على قوة العمل، ومن الغرائب أنه وجد المفاجأة التى لا يصدقها أحد بأن نجله قد تم ترقيته من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية بتاريخ 1/4/2012 ليحصل على درجة أخصائى بشرى ثان، رغم انقطاعه عن العمل دون ان يخطره أحد بقرار إيقافه أو فصله من عدمه، وهو ما جعل الأب يترقب النهاية واستبدت به الحيرة .
وتوجهنا إلى وكيل وزارة الصحة الدكتور محمد زين الذى تسلم العمل منذ عدة أسابيع والذى أبدى اندهاشه واهتمامه بالموضوع وأخذه على محمل الجد، وأرسل معنا مسئول مكتب المتابعة إلى مكتب شئون الأطباء لنتحقق من الأمر على أرض الواقع، وهنا كانت المفاجأة حين استخرج لنا الموظف المختص الملف الخاص بالطبيب وبفحصه تبين عدم وجود أى قرارات بفصله بالرغم من انقطاعه عن العمل منذ 14 عاما، بل الأمر المثير للسخرية ان هذا الطبيب حصل على ترقيات دورية كما هو معتاد وفقا لسنوات العمل لتثير هذه الواقعة قضية مهمة للغاية وهى حالة الغيبوبة التى تعيشها مديرية الصحة من حيث عدم متابعة الإدارة للوحدات الصحية خاصة الموجودة بالقرى، والتى من المفترض أن يوجد بها الطبيب بشكل مستمر ولكن أغلبها يتم غلقه بعد الساعة الواحدة ظهرا والمتاح منها للمواطنين لا يوجد به أطباء، هذا فضلا عن تساؤل آخر يطرح نفسه.. فإذا كان هذا الطبيب مستمرا فى العمل ولم يصدر له أى قرار فصل فأين يذهب الراتب الشهرى الخاص به طيلة الـ 14 عاماً الماضية؟ ولماذا لم تتخذ المديرية الإجراءات المتعارف عليها قانونا فى مثل هذه الحالات؟.
«الأهرام» تفتح هذا الملف الشائك وتطالب بفتح التحقيق حول هذه الواقعة المؤسفة.
ولاستكمال الجانب الآخر من الحقيقة توجهنا إلى المهندس رضا مرسى والد الطبيب، الذى بادرنا بالتأكيد أن نجله ما زال عالقا بالخارج بسبب انتهاء مدة البطاقة، وكذلك جواز السفر حيث انه ذهب لكى يجدد أوراق الهوية الخاصة به ولكن كان من ضمن الأوراق المطلوبة ما يثبت أنه لا يعمل بمديرية الصحة بأسيوط، وحينما توجهت لاستخراج هذه الورقة من مكتب شئون الأطباء بالمديرية، فوجئت بأن نجلى لم يصدر له قرار إخلاء طرف، ومن ثم فهو ما زال طبيباً بأسيوط على الورق طوال هذه السنين، وأكيد هناك من يتقاضى راتبه، ولم أجد رداً من المسئولين ولم أحصل على أى خطاب يبين موقفه، وقد لاحظت الارتباك الشديد على الموظفين فى كل الإدارات ولا أدرى ماذا أفعل؟ ومن منبر الأهرام أناشد المسئولين بسرعة التدخل.
وحول تفسيره للواقعة أكد والد الطبيب أن هناك احتمالين إما أن أحداً يتواطأ للحصول على راتبه، أو أنهم نسوا إصدار قرار فصل له وظل الوضع كما هو طوال هذه السنين وكان من المفترض ان تتخذ الخطوات المتبعة فى هذا الشأن بإنذاره بالفصل ومن ثم فصله، ولكن ما حدث يثير الشك والريبة، وغادرنا الوالد، وكان معنا ملف ضخم من المستندات يضم قرارات تعيين الطبيب وترقيته وصورا من جواز سفره وتأشيرات خروجه ودخوله للبلاد ورغم كل هذه المستندات يبقى اللغز فى انتظار الإجابة.. من المسئول عن هذا الإهمال؟ ومن يحاسب هؤلاء ويكشف حقيقة الطبيب المسافر الى الخارج والموظف على الورق فى مصر؟
حمادة السعيد
وائل سمير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق