فى يوم الجمعة الماضى، كما كان مقرراً من الرئاسة، قام الدكتور مرسى بزيارة إلى محافظة أسيوط، واحدة من أكثر محافظات مصر فقراً ومن بين عشرات أخرى من محافظات الجنوب المهملة منذ عقود والمبتلاه بالفقر والجهل والمرض والإهمال المتعمد، وللحق فإن زيارات الرئيس، أى رئيس، لمختلف أنحاء البلاد التى يحكمها تعد من مثالب الحاكم لكى يطلع على شؤون العباد عن كثب ولا يكتفى بالتقارير التى ترفع له من هنا وهناك، إذاً زيارة مرسى لأسيوط تعد واجباً أصيلاً من واجبات عمله وقيامه بها وبغيرها من زيارات لمختلف ربوع مصر يجب أن تكون إضافة له ولرصيده لدى مواطنى هذا البلد.. ويبقى السؤال الذى يجب أن تسأله مؤسسة الرئاسة لنفسها وتجيب عنه بصدق من أجل مصلحتها قبل مصلحة أى أحد آخر، هل رحلات الرئيس تضيف له ولرصيده حتى قبل أن تضيف لأهل المكان الذى يزوره؟ أظن أن الإجابة بلا كبيرة، فلا الدكتور مرسى يضيف لرصيده الشخصى بهذه الزيارات شيئاً بل يخصم منها كثيراً، ولا المناطق التى يزورها تتأثر بشكل إيجابى اللهم إلا إذا اعتبرنا أن كنس ورش وتنظيف المناطق التى يزورها الدكتور مرسى لأيام قبل الزيارة هى المنفعة الوحيدة لأهل المنطقة ولكنها منفعة مؤقتة مرهونة بالزيارة ثم تعود ربما لعادتها القديمة.
ودعونى أطبق
ما أزعم على زيارة مرسى لأسيوط لكى يتأكد القارئ من أننى لا أدعى على الرئيس غير الحقيقة.
محافظة أسيوط كما سبق وذكرت هى واحدة من أفقر محافظات مصر وتعانى من مشاكل عديدة يصعب حصرها، وقد وجد أهلها قبل أيام من زيارة الرئيس، العمال من مختلف الطوائف يجوبون الشوارع المحيطة بالمسجد والمناطق المقرر للرئيس المرور بها، ينظفون الشوارع ويدهنون الحوائط ويأمنون المكان عن يمين ويسار حتى إن بعضهم بات يتوه عن شارع تعود المرور عليه، وللحق فإن المواطن المصرى معتاد على هذا الأمر منذ زمن طويل ولكنه ربما تصور أن هذا النفاق الاجتماعى والسياسى، أقول تصور، أنه سيختفى بعد ثورة لم تبرد دماؤها بعد، وبعد أن تولى حكمها رجل وقف يفتح صدره فى ميدان التحرير للجماهير، ولكنى أعود لأقول تصور المواطن، ولكن بالتأكيد زيارات مرسى وما يصاحبها من إجراءات تذهب بتصورات أى مواطن حالم لأدراج الرياح.
ثم تأتى الإجراءات الأمنية التى تعذب أهل المكان خاصة القاصدين بيوت الله للصلاة يوم الجمعة ومنعهم من الوصول للمسجد كما حدث فى أسيوط مما سبب اشتباكات بين الأهالى والأمن، فى وقت نتحدث فيه عن محاولة حثيثة لرأب الصدع بين الشرطة والشعب بعد طول خصام، فتأتى هذه الزيارات لتزيد التوتر والمواجهات والاحتقان، بينما الأمن عبد المأمور، ولكنه فى هذه الحالة هو وجه القبح والمنع.
وإذا نحينا أمر الجمال والنظافة المزيفة والأمن العنيف جانباً واعتبرناهم إرثا معتادا، سنجد أننا أمام خطبة واجبة أمام الجماهير من الدكتور مرسى لزوم الزيارة، وهو ما حدث فى أسيوط كما فى محافظات وأماكن ومساجد أخرى، وللحق فإن هناك مثلا شعبيا يقول «كتر الكلام يقل محاسنه» وهى حكمة تنطبق بشدة على أكثر خطب مرسى الذى قال فى أسيوط لدينا تسجيلات كثيرة لمن وقف مع الثورة، ومن وقف ضدها، ومن بكى على المجرم السابق، لافتاً إلى أن بعضا من هؤلاء ممن وقف ضد الثورة يتحدث الآن باسم الثورة، والثورة منه بريئة، ويتحدث عن مشكلات الفلاحين وهو لا يعرف متى يزرع القمح ومتى يزرع الأرز وعاش على التطفل!
الدكتور مرسى للحق بهذا الحديث قرر أن يسير على نهج شخصية شهيرة جداً فى مصر وهو السيد مرتضى منصور وهو بالتأكيد نهج لا يليق برئيس دولة، مرتضى منصور شخصية كثيرة الخصومة، كثيرة الكلام والتهديد لكل معارض مختلف معه، يقول دائماً أنه يملك سى دى ووثائق تدين أعداءه ويلوح بها للفضيحة هنا وهناك، حتى إن البعض أطلق عليه مرتضى سى دى، فإن كان ذلك يعد كثيراً تجاوزاً غير مقبول من محام وشخصية عامة فما بالك برئيس دولة يؤكد على الملأ وبفخر أنه يملك تسجيلات تدين أناسا بأعينهم دون تحديد وكأنه يضع اتهامات على رؤوس العباد الذين يحكمهم وغالباً يقعون فى دائرة معارضته.
كانت جماعة الإخوان المسلمين منذ عقود من أكثر جماعات المعارضة التى يُلوح لها بالاتهامات من خلال تسجيلات لبعض من كوادرها وكانت قياداته المدربة تتحاشى الاتصالات والأحاديث بصورة كبيرة إلا بالرمز واللغة الخاصة، ويأتى الزمن الذى يحكمون فيه من خلال رئيس منهم ليلوح هو الآخر بنفس الاتهام الذى قاسوا منه يوماً ما، بل بما هو أقسى لأن الجهات الأمنية والنظام السابق عادة من خلال هذه التسجيلات كان يوجه للجماعة ورجالها تهما محددة تحولهم للمحاكمة، ولكن الدكتور مرسى يتحدث بكلام مُرسَل ليكون تاجاً للاتهام دون تحديد للمتهم ودون أن يمارس الحد الأدنى من الشفافية أم الشعب الذى لم يعد يعرف عدوه من صديقه ولا أهله من قاتله.
إذاً سار مرسى على درب مرتضى منصور فى أسيوط غير مدرك أن مرتضى «ستايل» لا يصح ولا يليق برئيس دولة يجب أن يكشف لشعبه عدوه من حبيبه بالقانون والعدل.
زيارات السيد الرئيس ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب تماماً كخطبه فهل تعيد مؤسسة الرئاسة التفكير والتدبر جيداً قبل أن تقرر زيارات أخرى وخطبا أخرى للسيد الرئيس؟!
حنان شومان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق