الأربعاء، 9 يناير 2013

الدكتور / سامح البنا أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بجامعة أسيوط :: ثلث آثار العالم في مصر .. بلا حماية ولا دعاية!


* الآثار المصرية مرتع للصوص

* تركيا تمكنت بتراث العثمانيين جذب العالم

* أطالب البرلمان بقوانين تلزم الدولة بصيانة آثارها

* شارع الصليبة ينتظر التطوير .. وآثاره مذهلة


السياحة هي سبيل مصر للخروج من أزماتها , وأم الدنيا تملك من الكنوز الأثرية ما يؤهلها لكي تكون متحفا مفتوحا للآثار , وقد تركت العصور المتعاقبة بصماتها في كل مكان ؛ فمسجد أبي الحجاج يقع في معبد الأقصر , ومئذنة مسجد البهنسا في المنيا ترتفع فوق بوابة معبد روماني ..



حين التقينا الدكتور سامح البنا، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بجامعة أسيوط، بدا حزينا لأن الدستور الجديد بعد الثورة أغفل السياحة، وقال بأهمية تعديل المواد المتعلقة بالآثار، حتى أن بيمارستان (مستشفى) المؤيد شيخ أصبحت مرتعا للصوص ..



وأكد البنا أن تركيا نجحت في الدعاية لمساجدها الإسلامية من خلال الأفلام والمسلسلات فيما تظهر آثارنا في الأعمال المصرية كخلفية فقط !

محيط : كيف تنظر لأحوال الآثار المصرية بعد الثورة ؟


-         بصراحة الآثار عامة ومنها الإسلامية خاصة لم تكن بخير منذ قيام الثورة, وقد شاهدنا بأنفسنا بعض السرقات التي حدثت في بعض المساجد, ولا شك أن الفترات التي تلي الثورات تشهد حالات من الفوضى وعدم الأمن, وأعتقد أن ما مرت به مصر من أحداث يكفي الآن, وبالتالي لابد من عودة الاستقرار, وتوفير الأمن للآثار سواء من جانب شرطة السياحة أو أي جهة أخري متخصصة في مجال الأمن, حتى لا نقرأ مرة أخري عن سرقات جديدة للمساجد والمخازن, والتي لابد من تأمينها .



لا يصح أن نكون في عام 2013 ومازلت المخازن سواء في متحف الفن الإسلامي أو المتحف المصري تفتقد لأبسط وسائل الحماية الإليكترونية, فهناك وسائل تكنولوجية حديثة يمكن أن توفر الأمن لتلك الأماكن الهامة, وتتيح للقائمين على حراستها معرفة "دبة النملة", وهناك أيضا تكنولوجيا مراقبة يمكن وضعها في المساجد, فإذا اقترب شخصا من منبر وأراد سرقته, نستطيع أن نصوره ونعرف من هو, ومما يحزن المرء أن نكون في العقد الثاني من الألفية الثالثة ولا نعرف من يسرق مساجدنا وآثارنا...ومما يثير الدهشة أن الذي تولي تأمين الآثار بعد الثورة هو الشعب.

محيط : وكيف يمكن وقف مسلسل سرقة الآثار ؟

- المشكلة هنا أن كثيرا من الدول لا تجرم تجارة الآثار, ويجب على مصر إصدار قانون يجرم التجارة فيها ويشجع المصريين على الحفاظ عليها , وذلك بتعويض مكتشفيها ماديا ومكافئتهم معنويا في وسائل الإعلام ، ذلك فضلا عن التأمين المناسب لها من جانب الدولة ، ومن جانب شركات متخصصة في الأمن وان تكون وسائل التامين حديثة مناسبة للعصر.



محيط : لكنك كنت قد حذرت من تردي الوضع الأثري حتى قبل الثورة ؟



- نعم ؛ فحتى قبل عام 1992 كان الوضع العام للآثار في مصر مزرٍ للغاية , ومع وقوع الزلزال الشهير في أكتوبر 1992, حدثت نهضة في العناية بالآثار, شابها بعض المشاكل, ومنها قيام بعض شركات المقاولات بترميم الآثار, وهي شركات تفتقد للخبرة في ترميم الأثر, الذي يحتاج إلى ترميم يختلف تماما عن سائر البنيات, من الناحية الزخرفية والفنية, وبالتالي حدثت بعض الأخطاء أثناء عمليات الترميم, لكن بعد فترة من الممارسة وضعت تلك الشركات أيديها على مواطن الخطأ, وبدأت تستعين بالمتخصصين.


محيط : لماذا تولت شركات المقاولات عمليات الترميم منذ البداية؟



- مصر تمتلك ثلث أثار العالم, في البحر والصعيد والدلتا, ولذلك فمع وقوع الزلزال تضررت العديد من المواقع الأثرية, ولم تكن مصر تملك من الخبراء ما يكفي لترميم كل ذلك الكم من الآثار مرة واحدة, لذلك كان لابد من دخول شركات مصرية بشكل سريع لمنع الآثار من الانهيار, لكن هذا لا يمنع أن هناك شركات استعانت بخبراء أجانب مثل مؤسسة أغاخان, أو بعض المواقع التي تولتها المؤسسة الفرنسية.


لكن بعد تلك النهضة أصبحنا نعاني من البطء في التنفيذ, وبعدما كانت الدولة متحمسة لإنقاذ الآثار, بدأنا نفقد ذلك الحماس بشكل تدريجي, فقد أصبح معروفا أن بعض شركات المقاولات ليست متخصصة في عمليات الترميم, وبالتالي ترتكب سيئات أكثر مما تقدمه من حسنات, وكذلك لقلة الموارد المالية, وفي ذلك الوقت كان المسئول عن الآثار هو المجلس الأعلى للآثار, ولم يكن قد أصبح بعد وزارة, ولم يكن المجلس يملك من الموارد ما يكفي لترميم والعناية بكل تلك الآثار في نفس الوقت.


وللحق فقد استطاعت الدولة بقدر استطاعتها ترميم بعض الأماكن كشارع المعز, أو شارع الصليبة, أو مجموعة قلاوون, لكن تلك العمليات جاءت على حساب الآثار الأقل ضوءا, فالمجلس في ذلك الوقت كان يختار لعملية الترميم الأماكن المشهورة والمعروفة, لكن بعض الآثار الأخرى لم تنالها يد الاهتمام ومنها على سبيل المثال بيمارستان المؤيد شيخ, المستشفيات الإسلامية الأثرية على مستوي العالم الإسلامي يتم عدها على أصابع اليد الواحدة, ومصر ولله الحمد تملك اثنين من تلك المستشفيات, واحد منهما طالته يد الترميم في شارع المعز مع مجموعة السلطان قلاوون, والأخر في منطقة القلعة مهجور الآن وأصبح مأوي للصوص.

محيط : هل الدعاية كافية لآثارنا ؟

- لا بالطبع، وتركيا مثلا استطاعت أن تجعل السياحة من المصادر الرئيسية لدخلها, وبالتالي فإذا استطاعت أن ترمم آثارك, وتقدم لها الدعاية المناسبة فأنك تستطيع أن تحصل منها على ما تريد من العملة الصعبة. وقد سمعت حديثا تليفزيونيا للدكتور سمير رضوان؛ وزير المالية الأسبق, يتحدث عن أن الاهتمام بالسياحة كفيل بحل مشكلة مصر من العملة الصعبة. ويمكن للدولة أن تحقق الدعاية للمساجد الأثرية بأقل تكلفة, عن طريق توزيع أوراق الدعاية على السائحين في المطارات والفنادق والمطاعم.


محيط : لكن كيف صنعت تركيا دعاية لمساجدها وآثارها؟

- قدمت لها دعاية ثقافية , ولا ننسي هنا دور المسلسلات والأفلام التركية , وباعتباري متخصص في مجال الفنون الإسلامية أجدني حريص على متابعة تلك المسلسلات , ليس لتحقيق اللهو أو التسلية , وإنما لمعرفة كيفية استغلال الديكور والملابس والقصور والآثار في الدعاية , مثل متحف "توبكابي سراي" في اسطنبول والذي يعد أشهر متاحف العالم الإسلامي, وتحرص الأعمال التليفزيونية التركية على التصوير فيه , وحينما تقع عين المشاهد على تلك المواقع الجميلة يتمني أن يزورها , كما استغلت تركيا أيضا موقع اسطنبول ووقوع جزء منها في أوروبا, والأخر في آسيا, بتقديمها كمكان يجمع بين حضارة الشرق والغرب.


ومصر تستطيع أن تقدم دعاية لأماكنها الأثرية عن طريق إقامة الندوات والمنتديات وتصوير المسلسلات والأفلام التاريخية , وبالتالي حينما تشاهد الجماهير تلك الأماكن ستسعي إلى زيارتها. وللأسف الأعمال المصرية تقدم تلك الأماكن كخلفية فقط , حتى جاء فيلم "أبو على" وصور بعض مشاهده في خانقاه ابن برقوق , وظهرت كجزء أساسي في الكادر الفني .



ولننظر إلى السينما التركية , مثلا فيلم "الفاتح" عن السلطان محمد فاتح مدينة القسطنيطينية , بصراحة جاء الفيلم مبهرا , فالآثار جاءت جزء أساسي في مشاهده , وكذلك الملابس , ومن المدهش أن معظم ثروات الأتراك في المتاحف هي من ملابس الخلفاء العثمانيين , ويمكننا نحن في مصر إخراج كنوز الحياة المملوكية من المتحف الإسلامي من الأدوات التي كان المماليك يستخدموها في حياتها اليومية ليشاهد الجمهور , بل أن المتحف الإسلامي نفسه لم يحصل على أي قدر من الدعاية...


ويمكن لمصر الدعاية لآثارها من خلال إقامة مكتبات في الأماكن الأثرية , ولدينا مثال على ذلك "مكتبة الحضارة الإسلامية" في "سبيل وكتًاب قايتباي" , ومكتبة القاهرة الكبرى في قصر الأميرة سميحة بنت السلطان حسين كامل , لدينا أيضا قصر الأمير الذي أصبح بعد الترميم مكانا للندوات والمعارض.



محيط : لماذا لا تتكرر تجربة شارع المعز؟



أتمني ذلك, وخاصة في شارع الصليبة بالسيدة زينب , فيمكن للدولة في هذا الصدد أن تحول شارع الصليبة إلى متحف مفتوح للآثار الإسلامية , بل أني أعتبر مصر كلها متحف مفتوح , فلا يوجد مكان فيها إلا ويوجد فيه آثار  سواء كانت فرعونية أو قبطية أو إسلامية , وقد ذهبت إلى الواحات وتصورت أني سأقابل الآثار الفرعونية فقط , لكني وجدت هناك قرية البجوات , وفي سيناء وجدت آثارا للمماليك , فالآثار لم تترك مكانا إلا وكان لها فيه بصمة , وبجميع عصورها ..

 

محيط : ما سبب اعتراضك على مواد الدستور الجديد وخاصة المتعلقة بالآثار ؟


- بشكل عام الدستور جيد في مجمله، لكنه لم يحظى بمناقشة اجتماعية واسعة، وننتظر أن يقوم مجلس النواب المقبل بتعديل وإضافة في مواده خاصة في المواد التي لم يحدث عليها وفاق مجتمعي، لاسيما وان المادة 217 من الباب الخامس تسمح لرئيس الجمهورية ومجلس النواب بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور.


وبالنسبة للآثار, فقد كنت أتوقع أن يتضمن دستور الثورة موادا أكثر إيضاحا في مجالي الآثار والسياحة, فالدستور الذي أقر من الشعب ذكر في المادة رقم 20 في الفصل الثالث (المقومات الاقتصادية ) الآثار بشكل ثانوي, حيث نصت المادة على "تلتزم الدولة بحماية شواطئها وبحارها وممراتها المائية, وصيانة الآثار والمحميات الطبيعية وإزالة ما يقع عليها من تعديات".


كذلك ذكرت المادة 213 في الفصل الخامس (الهيئات المستقلة ) انه توجد "هيئة عليا لحفظ التراث وتنظيم وسائل حماية التراث الحضاري والعمراني والثقافي والإشراف على جمعه وتوثيقه وصون موجوداته، وتعمل هذه الهيئة على توثيق ثورة 25 يناير وثورات مصر فى العصر الحديث".



وحتى لا يكون الكلام مرسلا كنت أتوقع مادة كهذه في دستور الثورة تلزم الدولة بالحفاظ على آثار تمتلك ثلث الموروث العالمي منها، كما تلزمها بالدعاية الواجبة لها عالميا لتنشيط السياحة ودعم الاقتصاد..
 

السيد حامد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

البقاء لله .. وفاة مواطن واصابة عمه بطلقات نارية من ضابط بقرية الزاوية باسيوط وغضب الأهالى من ظلم الداخلية فى اسيوط

المواطن حسن مش إرهابى لكنه إنسان  كل جريمته انه مواطن غلبان خاف من حضرته فجرى راح ضربه بالنار ----------------------------------...