فسيرته العطرة مازالت حية علي ألسنة أصدقائه ومحبيه، فلم يكن الضابط الشهيد إلا إنسانا في مواقفه وسندا للكثيرين من الفقراء والمحتاجين، فحسب، بل رواية زملائه وأقاربه تؤكد أنه لم يوصد بابا في وجه أي شخص ولم يظلم احدا»الاخلاص في العمل«، شعاره فربما كانت تمر أيام ولايري زوجته التي تعمل طبيبة ولا حتي ابنه عبد الرحمن الذي ولد حديثا، رغم تعلقه الشديد بهما.
أحد زملائه روي لنا ودموعه تصارع للنزول من عينيه، إنه تم إطلاق النيران علي صديق عمره الضابط الشهيد، منذ فترة، وبعد عودتهما إلي العمل قال له مستنكرا «كانوا هيقتلوني، طب أعمل العمرة وبعدين أموت»، حيث كان قد اعد العدة للسفر إلي مكة لأداء العمرة، وأدي المناسك وعاد، وكله اصرار عميق علي الاقلاع عن التدخين، وتمكن ذلك واستشهد وهو غير مدخن، وكان الشهيد منتظما في صلاته بلا انقطاع، ولأن فضل الله كبير، حمل الضابط معه ماء زمزم، واشتري كفنا لنفسه ، وحينما استشهد غسلوه وكفنوه به كما اراد، ودون وصية مكتوبة كان شراؤه للكفن استشعارا منه بقرب انتهاء العمر،
«درنكة» تلك القرية التي شهدت صعود روح الضابط الشهيد إلي بارئها في أثناء التفريق بين عائلتين متشاحنتين، ومنذ ذلك الحين تغير الحال إلي غير الحال، وتحولت القرية إلي حالة من الحزن والألم علي فراق الضابط الشهيد.
عاش النقيب محمد جمال ومات شهيدا فقد كتب عليه القدر أن يعيش وحيدا في الدنيا وهو في طفولته بعد أن فقد والديه في حادث مريع في أثناء عودتهما من القاهرة حيث لعب القدر دوره عندما قام والده العميد الراحل محمد مهران ـ قائد الحرس الجامعي بجامعة سوهاج سابقا ـ بإرسال نجله محمد للسفر بالقطار قبل موعد سفرهم بيوم واحد لعدم وجود مكان له في السيارة وفي اليوم الذي يليه لقي والداه مصرعهما في حادث سيارة ونجا الشهيد من الموت بأعجوبة ليعيش وحيدا برفقه العميد محمد عثمان ـ مدير مباحث قنا حاليا ـ الذي كان له بمثابة الأب والأخ والعائلة واحسن تنشئته حتي التحق بكلية الشرطة وتخرج وتزوج منذ 4 سنوات وانجب طفلا يدعي عبد الرحمن ولم يكمل عامه الأول وتركه وحيدا برفقة والدته.
وبانهيار شديد ودموع حارقة تحدث زملاء الشهيد قائلين إنهم يحتسبون رفيق دربهم شهيدا عند الله حيث أنه كان من خيرة الشباب من حيث الالتزام دينيا واخلاقيا يتسامح في حقه كثيرا ولايضمر الكراهية لأحد.
كان ابرز مايميزه إنه كان يفضل حل المشكلات التي كانت تعرض عليه داخل القسم بالود ومن خلال الجلسات العرفية.
اللحظات الأخيرة
روي أحد الضباط اللحظات الأخيرة في عمر الشهيد قائلا:» إننا تلقينا بلاغا من الأهالي بإطلاق أعيرة نارية في اشتباكات ثأرية بين عائلتي الملوش وعبد الخالق بمنطقة الحلة بقرية درنكة وفور تلقي البلاغ سارع الشهيد إلي التوجه مباشرة إلي القرية برفقة ضابط النقطة ووصل في غضون لحظات إلي موقع الحادث حتي ان الجميع تعجب لوصول سيارة الشرطة قبل ان يتوقف إطلاق الرصاص وبالفعل اقتحم منازل أحد العائلتين وقام بضبط بعض العناصر وفي أثناء ذهابه إلي منازل العائلة الأخري فوجئ الضابط بوابل من الأعيرة النارية صوبهم وقد استقرت طلقتان بجسد الشهيد أحداهما اسفل رأسه مباشرة بالرقبة والأخري بمنطقة الصدر وسقط في الحال ليلقي ربه في أثناء تأدية واجبه في ضبط العناصر الخارجة عن القانون.
من جانبه، قال اللواء إبراهيم حماد ـ محافظ أسيوط ـ إنه أمر بإطلاق اسم شهيد الشرطة النقيب محمد جمال مهران علي شارع الساحة الشعبية أكبر شوارع مدينة صدفا مسقط رأس الشهيد.
حمادة السعيد
وائل سمير
أسامة صديق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق