يضرب التلوث والأمراض محافظة أسيوط في ظل ارتفاع غير مسبوق في نسبة التلوث بسبب سيارات الكسح التي تفرغ حمولتها في مياه النيل بدلا من تفريغها في الأماكن المخصصة، مما تسبب في حدوث الأمراض، تكلف الدولة ملايين الجنيهات.
ويسرد حمدى عمر مدرس ويسكن بعزبة أبو القاسم بمركز أسيوط، تفاصيل المشكلة، حسب رؤيته، ويقول أن هناك سيارات كسح "بدون أرقام" تسحب مياه الصرف من المنازل التي لا يصل إليها خط الصرف الصحي، ثم تفرغها بالترع الموصلة لترعة نجع حمادى التي تمتد لجميع المحافظة، بالإضافة لمواسير الصرف المباشرة التي يقوم بتوصيلها بعض الأهالي على الترع.
ويقول صفوت المنقبادي مدرس يسكن بقرية منقباد مركز أسيوط، إن مشكلة سيارات الكسح ملقاة بأكملها على الوحدات المحلية، فسائقو الوحدة يقومون بصرف هذه المياه في الترع أمام مصنع السماد أمام مرأى ومسمع من الجميع ، وتقوم سيارات الكسح ليل نهار بإلقاء مخلفات الصرف في الترع بعد دهن رقم السيارة بلون أسود حتى لا يستطيع أحد الحصول على الرقم.
ويضيف أن التقصير والإهمال الذي أصاب الوحدات المحلية وعدم تأديتها بأعمالها وخدماتها المطلوبة منها، جعل بعض العائلات تأتي بسيارات الكسح لتقوم بنزح منازل الأهالي وإلقائها في الترع بعد مضاعفة أجرة ثمن النقلة عن ثمن سيارات الوحدة المحلية حتى تصل إلى 70 جنيه بدلا من 35 ، ورغم أن رئيس الوحدة يعرف الأشخاص أصحاب سيارات الكسح لكنه لا يقوم بالتدخل معهم أو تقديم مسائلة لهم مع مسئوليته من ذلك.
ويؤكد أن الأهالي قاموا بشراء مواتير بغطاس ثقيل لسحب المياه من بيارات الصرف وضخ هذه المياه مباشرة في الترع بخرطوم مطافي، ولا تقوم الدولة بدورها في التوعية للناس أو محاسبة المقصرين بشكل جدي.
ورد المسئولون على هذه الظاهرة الخطيرة، ويقول فتحى كامل رئيس الوحدة المحلية لنجع سبع، إن غالبية السيارات تفرغ المياه ليلا ولا يراها أحد من المسئولين، ولكن عند رؤية أى سيارة تقدم على هذا الفعل يتم تحرير محضرا للسائق على الفور.
من جانبه أكد علاء شعبان رئيس الوحدة المحلية لقرية منقباد، أنهم لا يستطيعون اكتشاف مواسير الصرف التي يتم ضخها من المنازل إلى الترع إلا فى وقت السدة الشتوية للنيل لأن المياه تكون قليلة ومعروف من يقوم بضخ المياه في الترع، مشيرا أن الدور حاليا هو دور الأهالى وليس الحكومة لإيقاف زحف هذه الظاهرة على مياه النيل.
ويضيف أبوالفتوح سيد عمر، موظف بالمعاش، يسكن بعزبة النجارين، أن الخضروات اندثرت زراعتها تماما من العزبة التي يسكن بها، نتيجة اختلاط مياه الصرف بمياه الترع وريها بها، وأصبحت الترع تفوح منها أبشع الروائح وصارت مرتعا للحشرات وتلوثت المزروعات، كما أن إنتاجية الفدان تقل يوما بعد يوم، لافتاً إلى أن نبات البرسيم والقمح سيندثر أيضا في العزبة نتيجة لتضرره من المياه وتلوث التربة.
يتابع: تسللت الميكروبات من الزرع إلى الحيوانات وظهرت بها أمراض الحمى القلاعية بكثرة وهناك أمراض غريبة لا يعرفها حتى الأطباء، تؤدي لموت الحيوان بدون سبب، والمشكلة الأكبر أن التلوث والأمراض انتقل للإنسان أيضا.
ويرد أحمد رفعت وكيل وزارة الزراعة بأسيوط: إن هذه الظاهرة أضرت بجميع الكائنات التي تتعامل مع المياه الملوثة وبالتحديد الأسماك بالترع، التي تم القضاء عليها من ثروة سمكية وهذه الأسماك لم تتوقف أهميتها عند حد الغذاء عليها فحسب بل كانت تتغذى على الحشائش التى تنمو فى تلك الترع، فمن ناحية قضت على الأسماك ومن ناحية شجعت على نمو الحشائش التى تمثل عائقا وتأخذ جزء من مياه الترع.
وأوضح رفعت أن المياه الملوثة تروى الزرع وتلوث التربة والمشكلة أن مياه الصرف بها منظفات كلور والكلور فى غاية الخطورة فهو سام جدا ومسرطن يقوم بالتفاعل وعمل مركبات فى التربة تدخل فى النبات وتنتقل للحيوان والإنسان عندما يتغذى على الحيوان أوعلى النبات مباشرة وتسبب الفشل الكلوى والسرطان.
كما أن الترع يلقى بها مخلفات غسيل السيارات والشحوم والوقود ونواتج معامل التحاليل ومخلفات البطاريات التى بها عناصر ثقيلة، والمشكلة فى سُمية هذه العناصر الثقيلة وكذلك يتفاعل مع التربة ويكون مواد سامة، بالإضافة لوجود كم من الأملاح التي تؤذى التربة وترفع من تركيزات المركبات الحمضية والقلوية، كما أن مياه الصرف تنقل الفيروسات عن طريق البول والبراز وخلافه إلي كل ما تتوصل إليه.
يوضح أحمد عبدالحميد وكيل وزارة الصحة بأسيوط، أن مخلفات الصرف الصحى بها كمية كبيرة من الميكروبات والجراثيم التى يخرجها الإنسان فتكمن الخطورة فى أنها تختلط بالمياه التى تروى الزرع الذى يتغذى عليه الإنسان والحيوان فهذه الميكروبات ترجع مرة أخرى للإنسان إما بطريق مباشر من خلال تناول النباتات الملوثة أو بنزول المزارعين والأطفال الترع وإما بطريق غير مباشر من خلال التغذية على الحيوان الذى يتغذى على النباتات الملوثة ويشرب من مياه الترع الملوثة، مشيراً إلى أن المشكلة ترجع فى صورة أكثر شدة وخطورة خاصة لو استخدمت المياه فى الشرب.
ويضيف عبدالحميد: أن عمليات ترشيح المياه والتنقية تقضى على جزء كبير من الملوثات، ولكن المشكلة فى الترع الجانبية التي يقوم الأهالي بصب مياه الصرف بها.
وذكر عبدالحميد، أن هناك عقوبات رادعة لمن يتم ضبطه ممن يلقي مياه الصرف في الترع سواء من سائقي سيارات الكسح أو الأهالي، فطبقا لقانون 4 لسنة 94 من قانون البيئة يحظر إلقاء مياه الصرف فى مياه الترع.
وفي ذات السياق يؤكد حسين جلال مدير عام الرى: أن هناك عقوبات رادعة لمن يتم ضبطه أثناء إلقائه مواد الصرف الصحى والمخلفات فى الترع وتكون الغرامة والحبس، ومن جانبنا نعمل على تطهير الترع بشكل دائم حتى نضمن صلاحية المياه المستخدمة فى رى الأرض الزراعية وأناشد المواطنين بضرورة الإبلاغ عن أى مخالفات تضر بمجرى الترع وعدم إلقاء المخلفات بها.
ويرجع الدكتور محمد فتحى عثمان رئيس هيئة الثروة السمكية السابق وأستاذ كلية الزراعة بجامعة عين شمس، إهمال ملف مياه النيل إلي تنازع السلطات المختصة بالإشراف عليه بين هيئات ومؤسسات الدولة ولم تنجح قيادات الحكومات المتوالية في وضع تنسيق بين أجهزة الدولة لحماية المياه والثروة السمكية وصحة البشر من الضياع بعد تلوث المياه.
وإنتقد عثمان تصرف المسئولين، وقال إن السائقين في الوحدات المحلية يقوموا بأنفسهم بإلقاء مخلفات الصرف في مياه النيل بعد نزحها فلا لوم علي الشخصيات الأخري الغير مسئولة.
وأضاف عثمان، أن تلوث بحيرة إدكو ومريوط والمنزلة خير شاهد علي التقصير الحكومي وكان علي جهاز شئون البيئة أن يقف بالمرصاد ضد تلوث المياه عامة ونهر النيل خاصة، مشيراً إلي أن محطات الصرف الصحي تلقي المياه التي تتم معالجتها في النيل بمعالجة ثنائية لا تقضي علي أنواع البكتيريا والجرثيم التي تؤثر علي الأسماك وتنعكس علي الإنسان ، ولا تقوم بعمل المعالجة الثلاثية المعترف بها دوليا وتقضي علي الأمراض.
وذكر عثمان، أن إلقاء سيارات الكسح لمياه الصرف في النيل عمل مخزي لابد أن يجرم دوليا لانه يؤدي إلى تغيير طبيعة مياه النيل، كما أنها ستكلف الدولة مليارات بعد إنفاقها على أمراض الفشل الكلوي وحالات المرضية الأخرى التي تلاحق الشعب وتهدر الثروة السمكية والحيوانية وتدمر الرقعة الزراعية.
وأوضح عثمان، أن تلوث المياه وتعامل الشعب والحكومة الغير مسئول أدى إلى تراجع إنتاجية الأسماك وانخفاض نسبة إنتاجها من 40 : 50 % من قيمة الإنتاج، وضعف الأراضي وانتشار الأمراض بالثروة الحيوانية.
ويرى عثمان، أن التجربة الألمانية كانت خير مثال يحتذى به، حيث قامت بتنمية ثروتها السمكية في بحيراتها الداخلية وأصبحت بالنسبة لها قوة كبيرة في بناء اقتصادها وسد احتياجات شعبها في حالة الحروب، وما زالت تحافظ عليها إلى الآن.
واختتم حديثه، بأن من السهل توفير الكثير من الأسماك كمصدر أساسي، خاصة أن مصر لديها نيل بجميع إمكانياته وفروعه، كما أننا ليس لدينا مصادر أخرى نستطيع أن نسد عجز اللحوم الحمراء والدجاج بها.
عبد الرحمن العارف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق