الجمعة، 1 نوفمبر 2013

تقرير عن الهجرة غير الشرعية.. ومواطنون من اسيوط «من اليأس ما قتل»


http://almogaz.com/sites/default/files/styles/article-image/public/165185_660_4412273.JPG?itok=z4Sb1-CN
ستبقى «الهجرة غير الشرعية» عنواناً لليأس من الأوطان، والبؤس من الحياة، والانتظار لما لا يجىء غالباً، يلجأ إليها من ضاقت عليهم أوطانهم بما رحبت، فضنت عليهم بأبسط مقومات الحياة، فلا عمل، ولا مسكن، ولا حلم يتحقق، ولا أمل فى غد، كما تظل الهجرة غير الشرعية فخاً ينصبه معدومو الضمائر، والمتاجرون بأحلام البشر، لمن يتطلعون إلى الحياة ويبحثون عن «لقمة عيش» بالحلال. «الوطن» اقتربت من 69 شخصاً، معظمهم مصريون، وبعضهم سوريون وفلسطينيون، أنقذتهم قوات حرس الحدود من براثن مافيا الهجرة غير الشرعية، كانوا فى طريقهم إلى إيطاليا، وكادوا يلقون حتفهم، وتعاظمت المأساة، فى أن من بينهم 31 طفلاً دون الثامنة عشرة، جميعهم كان لاهثاً وراء حلم سرعان ما تحول إلى سراب، حلم الحياة الكريمة، والمسكن والزواج، ورغم ما تعرضوا له، فإنهم أكدوا أنهم سوف يعيدون الكرّة مرة واثنتين وثلاثاً، حتى لو ماتوا جوعاً وعطشاً على رمال صحراء قاحلة.. ضاق الوطن بهم، وبخل عليهم بأدنى حقوقهم، ولم يحقق لهم أياً من آمالهم وطموحاتهم.. فخرجوا فى رحلة الموت بحثاً عن الحياة.

ليس هناك ألم أشد من الشقاء فى سبيل البحث عن «لقمة عيش»، خارج حدود وطن يضنُّ بها عليك، ويتضاعف الألم أكثر وأكثر، عندما يشهر الفقر سلاحه فى وجهك، أينما وليت، سواء فى وطنك، أو خارج حدوده، فلا تحقق ما صبوت إليه، واغتربت من أجله.

هى مأساة متكررة، وسوف تتكرر فصولها ومشاهدها، حتى وإن اختلفت التفاصيل والنهايات، طالما ظل الوطن عاجزاً عن الرفق بأبنائه، وطالما بقى الفقر شاهراً أسلحته، وطالما ظل البؤس راعياً رسمياً، لبعض معدومى الحظ.

أبطال المأساة هذه المرة، ليسوا عشرة أو عشرين، بل 69 شخصاً، معظمهم مصريون، وبعضهم فلسطينيون وسوريون، بينهم 31 طفلاً، ضاقت عليهم الأوطان بما رحبت، وانقطعت بهم السبل بما اتسعت، وحاصرهم الفقر فى بلادهم، فوجدوا ضالتهم فى مغادرة أوطانهم، فى هجرة غير شرعية، إلى إيطاليا، بحثاً عن الأمل المفقود، ظناً منهم أن الحياة قد تبتسم لهم بعد تجهم، ولكنها أبت وظلت على تجهمها وبؤسها وقبحها، فتبدد الحلم، وكادوا يلقون حتفهم.. والآن هم فى قبضة قوات حرس الحدود، التى أنقذتهم من مصير مجهول، قيد التحقيق، يسكنهم الحزن، ويستوطنهم البؤس ويحتلهم الفقر.. وفى نفس الوقت يترقبون الفرصة لتكرار ما فشلوا فيه هذه المرة.

المشهد شديد الألم، أجساد متراصة، دموع وآلام وآهات، وملابس مهلهلة، ومشاعر خوف وغضب.. والأغرب.. إصرار على تكرار ما حدث، يجلس 69 مهاجراً مصرياً وسورياً وفلسطينياً، يروون تفاصيل رحلة مريرة، استغرقت 24 ساعة بالمياه، تحقيقات مطولة بمقر حرس الحدود والنيابة.

«الوطن» رصدت تلك الرحلة، بداية من حرس الحدود مروراً بالنيابة، انتهاءً بالحجز لمعرفة ما حدث، واستمعت لبعضهم..

على بركات إبراهيم، 22 عاماً، من محافظة أسيوط، قال لـ«الوطن»: «تعبت من البحث عن مهنة ترحمنى من ذل الفقر، فقد كنت أعمل مبيض محارة، ولكن وضع البلد زى الزفت، والحالة نايمة، وأنا شاب، وبحلم أرتبط بالإنسانة اللى بحبها وأبقى أب، ولكن الحال اللى إحنا فيه مافيش أمل بكرة».

يتوقف «على» لحظات،

ثم يسترسل فى حديثه قائلاً: «أنهيت خدمتى العسكرية منذ شهرين، وكنت أعتقد أن حال البلد تغير إلى الأحسن، ولكنى وجدت الحال كما هو عليه، فقررت أن أهاجر خارج مصر خاصة أنه لا يوجد شغل»، مضيفاً: «بعد تعب ومشقة بالغة فى البحث عن العمل، قررت أن أسافر فى بلاد الله الواسعة فاقترح بعض أصدقائى علىّ البحث عن العمل بالخارج، وبالفعل تواصلت مع أشخاص تبين أن أسماءهم وهمية ولم أرهم ولا مرة ولكنهم وعدونى بتسفيرى لإيطاليا، مقابل 40 ألف جنيه، فخطر بعقل بالى أن الدنيا هتبدأ تضحك لى، ولكن سرعان ما استيقظت على وهم كبير»، الغريب أنه أكد أنه فى حال عودة الزمن به مرة أخرى، وعجزه عن إيجاد عمل، سيضطر آسفاً للهجرة للخارج، فى مقابل أن يعمل ويشعر بآدميته المفقودة فى وطنه.

وقال: «تعرضنا لتهديدات ممن وعدونا بالسفر بالقتل، وأثناء وجودنا فى عرض البحر، بين محافظتى بورسعيد والدقهلية رفعوا علينا الأسلحة، حيث كان يبلغ عددهم 10 حينما علمنا بحقيقة ما حدث، خاصة بعد اقتراب قوات حرس الحدود منا لإنقاذنا، فكان لزاماً عليهم كتم أصواتنا بأى طريقة حتى لايفتضح أمرهم»، وكشف «على» أن من بين من كانوا هاربين هجرة غير شرعية 30 طفلاً، تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاماً..

ويقول مرزوق يونس، 24 عاماً، عامل بمغسلة، من أسيوط: «ارتكبت جريمة عمرى، حينما قررت أن أكون مواطناً يمتلك آمالاً وطموحات دفعتنى للبحث عن مهنة، تدبر لى المال الذى يشعرنى بآدميتى، ولكن سرعان ما سقطت تلك الأحلام على قارعة الطريق، حينما شاهدت أطفالاً ألقوا بأرواحهم بين يدى المجهول».

مضيفاً: «أحدهم أقنعنى بالسفر إلى إيطاليا، حيث الوعود الزائفة بالعمل، على أن أدفع لهم 35 ألف جنيه فور وصولى وإيجاد عمل». وبمرارة يتذكر «مرزوق» لحظات قيام مهربيهم برفع الأسلحة النارية عليهم لحظة سماع أصوات قوات حرس الحدود، قائلاً: «بكل بشاعة.. رفعوا أسلحتهم علينا ولم يتوانوا عن إرهابنا، حيث كانوا على استعداد لقتلنا، مقابل عدم سماع قوات الحرس أصواتنا، حيث هددونا بالقتل»، ووجه مرزوق الشكر للقوات المسلحة على وقوفها بجوارهم وحمايتهم من براثن مافيا الهجرة غير الشرعية، داعياً الأطفال لعدم التفكير فى الهجرة وترك بلدهم.

ويقول مصطفى حمزة، 33 عاماً، ليسانس لغة عربية، وأكبر المهاجرين المصريين سناً: «أنا ماشتغلتش فى بلدى عشان كده فكرت أهاجر واللى سفرنى طالبنى بدفع 40 ألف جنيه».

وتابع حمزة، «إحنا مش عايشين فى وطننا، وحياتنا غير آدمية، فلا ثورة أثرت، ولا غيرت فى البلد، هنعيش ونموت وإحنا مش آدميين» مؤكداً أنه فشل من قبل فى السفر أكثر من مرة. وقال عباس السيد، من المنوفية، 27 عاماً، قهوجى، حاصل على دبلوم صنايع: «اللى سفّرونا فهمونا إننا هنقبض بالعملة الصعبة، ولكن حلمنا طلع سراب»، وتابع: «إحنا مش عايزين حاجة من الدولة، غير إنهم يوظفونا ويمنحونا مساكن». وقال محمد السيد، 24 عاماً، من محافظة المنوفية: «وفروا لنا شغل وإحنا مش هنفكر نهاجر.. الزمن قاسى علينا، وبلدنا قاسية على ولادها». ويقول ملاك جميل سعد الله، 17 عاماً، من مركز أسيوط، ثانية صنايع: «أنا مش عايز أطلع ضايع ومستقبلى معدوم زى باقى زملائى، ولم أفكر فى الهجرة إلا للعمل ومساعدة عائلتى على تدبير نفقات الحياة»، مضيفاً: «عائلتى وضعت أملها فىّ، لذا قررت السفر والبحث عن لقمة العيش، فاتفقت مع المافيا على دفع 35 ألف جنيه لحظة وصولى إلى إيطاليا وكانت عائلتى تدبر المبلغ المطلوب ببيع آخر قطعة أرض نملكها حيث كان بانتظارى أبناء عمومتى الذين وعدونى بتدبير عمل مناسب لى معهم».

أما إسماعيل على زكريا على محمد، 16 عاماً، طالب بالصف الثالث الإعدادى، من مركز أبنوب أسيوط، فقال: «لن أتراجع عن الهجرة وتكوين مستقبلى بالخارج وإلا فسيكون البحر مثواى الأخير، فإما العيش بكرامة أو الموت بكرامة»، مضيفاً: «بلدى ضاقت علىّ، ومعدش لى مكان فيها، دى مش أول مرة أسافر هجرة غير شرعية، بل تالت مرة».

وأوضح إسماعيل، الذى كان يعتزم العمل بائع فاكهة بإيطاليا، أن المهربين وفروا لهم قوارب صغيرة جداً، لا تحتمل عددهم، وكادوا يقتلونهم عندما أدركوا اقتراب قوات حرس الحدود منهم، وختم إسماعيل كلامه قائلاً: «اللى شاف العيشة بره مصر مستحيل يفكر يعيش فى مصر مرة ثانية».

وبداخل حجز انفرادى بمركز شرطة دمياط، جلس «على محمود السلطة»، 67 عاما، ونجلته سعاد، 17 عاماً، وهما لاجئان فلسطينيان، مقيمان بمعسكر اليرموك بسوريا ومن المقرر انتهاء إقامتهما فى 31/12/2013، حيث قال «على» لـ «الوطن»: «قررنا الرحيل من مصر بعد إقامتنا لمدة 8 شهور ونصف بالإسكندرية حيث عشت أنا وزوجتى ونجلاى ومع ضيق ذات اليد وعجزى عن تدبير عمل فضلاً عن المضايقات التى نتعرض لها وقطع المعونات عنا، قررت أن أرحل أنا ونجلتى لإيطاليا ومنها لألمانيا أو إحدى الدول الإسكندنافية، التى تعول اللاجئين». وبداخل الحجز بمركز شرطة دمياط جلس 31 قاصراً، تتراوح أعمارهم بين 14 عاماً حتى 17 عاماً، فى انتظار حضور ذويهم من محافظات مصر المختلفة لتسلمهم، فبينما حضر أقارب طفلين فى الصباح الباكر لتسلمهما، ظل 29 طفلاً فى انتظار أهلهم.

من جانبها.. أفادت مصادر أمنية لـ«الوطن» أن قوات حرس الحدود بعزبة البرج تمكنت من إحباط رحلة هجرة غير شرعية لـ62 مهاجراً، علاوة على إحباط قوات الشرطة وحرس الحدود لرحلة أخرى فى ذات التوقيت لـ7 أشخاص، كانوا متجهين لإيطاليا، وتحرر المحضر رقم 5735 إدارى مركز دمياط، والمحضر رقم 5723 إدارى المركز.

وأوضح أن المهاجرين الموقوفين هم: 16 من الشرقية، و10 من المنوفية، ومثلهم من أسيوط، و8 من الغربية، ومثلهم من القليوبية، و1 كفر الشيخ، و2 من البحيرة، ومثلهم من المنيا، 1 من الإسماعيلية، فضلاً عن سوريين وفلسطينيين.

وأضاف أن من بين المهاجرين 31 طفلاً قاصراً تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاماً، حيث رفضت قوات الشرطة إخلاء سبيلهم إلا بعد قدوم ذويهم لتسلمهم بناءً على تعليمات النيابة العامة التى أجرت التحقيقات التى استمرت ما يزيد على 7 ساعات.

وقال المصدر إنه تم إخلاء سبيل المصريين البالغين فى تمام الثانية عشرة والنصف من صباح أمس، بعد إجراء تحقيقات مع عدد منهم بمعرفة قوات الأمن الوطنى لمعرفة رؤوس تلك المافيا، التى لم تراع طفولة هؤلاء القصر واستغلتهم أبشع استغلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

البقاء لله .. وفاة مواطن واصابة عمه بطلقات نارية من ضابط بقرية الزاوية باسيوط وغضب الأهالى من ظلم الداخلية فى اسيوط

المواطن حسن مش إرهابى لكنه إنسان  كل جريمته انه مواطن غلبان خاف من حضرته فجرى راح ضربه بالنار ----------------------------------...